وجمع أبي عبيدة الأزواد، وقسمتها بالسوية: إما أن يكون حكما حكم به لما شاهد من ضرورة الحال، ولما خاف من تلف من لم يكن معه زاد، فظهر له أنه قد وجب على من معه زاد أن يحيي من ليس له شيء، أو يكون ذلك عن رضا من كان له زاد رغبة في الثواب، وفيما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - [في الأشعريين من أنهم إذا قل زادهم جمعوه فاقتسموه بينهم بالسوية، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]: nindex.php?page=hadith&LINKID=652306 (فهم مني، وأنا منهم) وقد فعل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة. ولذلك قال بعض العلماء: إنه سنة.
و( الخبط ) بفتح الخاء والباء: اسم لما يخبط فيتساقط من ورق الشجر، وبسكون الباء: المصدر، وتبليلهم الخبط بالماء ليلين للمضغ، وإنما صاروا لأكل الخبط عند فقد التمرة الموزعة عليهم، وهذا كله يدل على ما كانوا عليه من الجد، والاجتهاد، والصبر على الشدائد العظام، والمشقات الفادحة؛ إظهارا للدين، وإطفاء لكلمة المبطلين. رضي الله عنهم أجمعين.
وساحل البحر وسيفه، وشطه، كل ذلك بمعنى واحد.
و( رفع لنا ) أي: ظهر لنا، واطلعنا عليه، وهو مبني لما لم يسم فاعله.
و( الكثيب ) و( الضرب ): الجبل الصغير، والكوم أصغر منه.
و( الضخم ): المرتفع الغليظ.
[ ص: 220 ] و(قوله: تدعى العنبر ) أي: تسمى بـ (العنبر) ولعلها سميت بذلك لأنها الدابة التي تلقي العنبر، وكثيرا ما يوجد العنبر على سواحل البحر، وقد وجد عندنا منه على ساحل البحر بقادس - موضع بالأندلس - قطعة كبيرة كالكوم، حصل لواجديه منه أموال عظيمة.
و(قول أبي عبيدة : ميتة ) أي: هي ميتة، فلا تقرب; لأنها حرام بنص القرآن العام، ثم إنه أضرب عما وقع له من ذلك لما تحقق من الضرورة المبيحة له، ولذلك قال: ( لا، بل نحن رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اضطررتم فكلوا ) وهذا يدل على جواز حمل العموم على ظاهره، والعمل به من غير بحث عن المخصصات، فإن أبا عبيدة حكم بتحريم ميتة البحر تمسكا بعموم القرآن، ثم إنه استباحها بحكم الاضطرار، مع أن عموم القرآن في الميتة مخصص بقوله - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=689225 (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) ولم يكن عنده خبر من هذا المخصص، ولا عند أحد من أصحابه.
و(قوله: فأقمنا عليها شهرا حتى سمنا ) دليل nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك ولمن يقول بقوله: على أن المضطر يأكل من الميتة شبعه ، ويتبسط في أكلها، فإنها قد أبيحت له، وارتفع تحريمها في تلك الحال فأشبهت الذكية، وخالفه في ذلك جماعة، منهم: الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=13055وابن حبيب ، فقالوا: لا يأكل منها حتى يضطر إليها ثانية، ولا يأكل منها إلا ما يقيم رمقه. وقال عبد الملك : إن تغدى حرمت عليه [ ص: 221 ] يومه، وإن تعشى حرمت عليه ليلته، وهذا الذي قاله هؤلاء تعضده القاعدة، وهي: أن كل ما أبيح لضرورة فيتقدر بقدرها، على أنه يمكن أن يقال في قضية أبي عبيدة ، وأكلهم من تلك الميتة شهرا حتى سمنوا: إن ذلك القدر كان قدر ضرورتهم، وذلك أنهم كانوا قد أشرفوا على الهلاك من الجوع، والضعف، وسقطت قواهم، وهم مستقبلون سفرا، وعدوا، فإن لم يفعلوا ذلك ضعفوا عن عدوهم، وانقطعوا عن سفرهم، وهذا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه عند الفتح: nindex.php?page=hadith&LINKID=707785 (تقووا لعدوكم، والفطر أقوى لكم).
و(حجاج العين) يقال: بفتح الحاء وكسرها، وهو الوقب أيضا، وهو غار العين الذي فيه حبتها. وأصل الوقب: الحفرة في الحجر.
و( الفدر ): جمع فدرة: وهي القطعة من اللحم والعجين، وشبههما، وهي: ( الثور ) أيضا، وجمعه: أثوار، والمراد بها هنا: قطع العجين أو السويق، ولذلك شبه قطع اللحم بها; إذ قال: كقدر الثور.
فإن قيل: كيف جاز لهم أن يأكلوا من هذه الميتة إلى شهر، ومعلوم: أن اللحم إذا أقام هذه المدة، بل أقل منها، أنه ينتن، ويشتد نتنه، فلا يحل الإقدام عليه، كما تقدم في الصيد; إذ قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=68059 (كله ما لم ينتن).
فالجواب: أن يقال: لعل ذلك لم ينته نتنه إلى حال يخاف منه الضرر لبرودة [ ص: 222 ] الموضع، أو يقال: إنهم أكلوه طريا، ثم ملحوه، وجعلوه وشائق; أي: قددوه قدائد، كما يفعل باللحم. ويقال فيه: وشقت اللحم، فاتشق، والوشيقة: القديدة، وعلى هذا يدل قوله: ( ونقتطع منه الفدر ) أي: القطع الكبار.
و(قوله: وتزودنا من لحمه وشائق ) أي: قدائد، وهذا اللفظ يدل أيضا على أنه يتزود من الميتة إذا خاف ألا يجد غيرها، فإن وجد غيرها، أو ارتجى وجوده لم يستصحبها، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وغيره من العلماء.
وفي [ ص: 223 ] هذا الحديث للجمهور رد على من قال بمنع ما طفا من ميتات الماء. وهو: nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد ، وأصحاب الرأي - nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه - وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله أنه قال: يؤكل ما يوجد في حافتي البحر، وما جزر عنه، ولا يؤكل ما طفا. ومثله روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وكأنهما قصرا الإباحة على حديث أبي عبيدة المذكور.