رواه أحمد ( 3 \ 32 و 33 ) ، والبخاري ( 6530 ) ، ومسلم ( 222 ) .
[ ص: 470 ] (68) ومن باب : أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - شطر أهل الجنة
(قوله تعالى لآدم : " أخرج بعث النار ") إنما خص آدم بذلك القول ; لأنه أب للجميع ، ولأن الله تعالى قد جمع له نسم بنيه في السماء بين يديه ، وهم الأسودة التي رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء عن يمين آدم ، وهم أهل الجنة ، وعن يساره وهم أهل النار ، كما تقدم .
و " بعث النار " من يبعث إليها ، وكذلك بعث أهل الجنة . ومعنى " أخرج " هنا ممن يخرج ، ويميز بعضهم عن بعض ، وذلك يكون في المحشر حيث يجتمع الناس ويختلطون ، والله تعالى أعلم . ويحتمل أن يكون معنى أخرج ; أي : احضر إخراجهم ، فكأنهم يعرضون عليه بأشخاصهم وأسمائهم ، كما قد عرضت عليه نسمهم .
و (قوله : " وما بعث النار ؟ ") وضعت هنا " ما " موضع " كم " العددية ; لأنه أجيب عنها بعدد ، وأصل " ما " أن يسأل بها عن ذوات الأشياء وحدودها . ولما سمع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ألفا إلا واحدا للنار ، وواحدا للجنة ، اشتد خوفهم لذلك ، واستقلوا عدد أهل الجنة منهم ، واستبعد كل واحد منهم أن يكون هو ذلك الواحد ، فسكن النبي - صلى الله عليه وسلم - خوفهم ، وطيب قلوبهم ، فقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=657335أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل " ; ويعني بالألف هنا : التسعمائة والتسعة والتسعين [ ص: 471 ] المتقدمة الذكر . و " يأجوج ومأجوج " خلق كفار وراء سد ذي القرنين . والمراد بهم في هذا الحديث : هم ومن كان على كفرهم ، كما أن المراد بقوله : " منكم " أصحابه ومن كان على إيمانهم ; لأن مقصود هذا الحديث : الإخبار بقلة أهل الجنة من هذه الأمة بالنسبة إلى كثرة أهل النار من غيرها من الأمم ، ألا ترى أن قوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، أو كالرقمة في ذراع الحمار " ; يدل على ذلك المقصود ؟ .
وأما نسبة هذه الأمة إلى من يدخل الجنة من الأمم ، فهذه الأمة شطر أهل الجنة كما نص عليه . والشطر : النصف ، ومنه يقال : شاطرته مشاطرة ، إذا قاسمته فأخذت نصف ما في يديه . والرقمتان للفرس أو الحمار الأثران بباطن أعضادهما ، والرقمتان للشاة هيئتان في قوائمها متقابلتان كالظفرين . و " لبيك " معناه : إجابة لك بعد إجابة ، و " سعديك " : مساعدة بعد مساعدة ، وكلاهما منصوب على المصدر ، ولم تستعمل العرب له فعلا من لفظه يكون مصدره .
و (قوله : " والخير في يديك " ) أي : تملكه أنت لا يملكه غيرك ، وهذا كقوله تعالى : بيدك الخير إنك على كل شيء قدير [ آل عمران : 26 ] ، أي : بيدك الخير والشر ، ولكن سكت عن نسبة الشر إليه تعالى ; مراعاة لأدب الحضرة ، ولم ينسب الله لنفسه الشر ; تعليما لنا مراعاة الأدب واكتفى بقوله : إنك على كل شيء قدير [ آل عمران : 26 ] ; إذ قد استغرق كل الموجودات الممكنات .