(قوله - عليه الصلاة والسلام - : " الطهور شطر الإيمان ") الطهور بفتح الطاء : الاسم ، وبضمها : المصدر ، ومنه قوله تعالى : وأنـزلنا من السماء ماء طهورا [ الفرقان : 48 ] . وكذلك الوضوء والوقود والوجور والفطور الفتح للاسم ، والضم للمصدر .
وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل في الوضوء الفتح فيهما ، ولم يعرف الضم ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : والأول هو المعروف والذي عليه أهل اللغة . فأما الغسل [ ص: 474 ] فالفتح للمصدر ، والضم للماء ، عكس الوضوء ، على ما حكاه الجوهري ، وقد قيل في الغسل ما قيل في الوضوء .
أي : نحوهم ، ويقال : شطر عنه ; أي : بعد ، وشطر إليه ; أي : أقبل . والشاطر من الشبان : البعيد من الخير .
وقد اختلف في معنى قوله - عليه الصلاة والسلام - : " الطهور شطر الإيمان " ; على أقوال كثيرة ; أولاها : أن يقال : إنه أراد بالطهور الطهارة من المستخبثات الظاهرة والباطنة . والشطر : النصف ، والإيمان هنا : هو بالمعنى العام ، كما قد دللنا عليه بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=676577الإيمان تصديق بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان " .
ولا شك أن هذا الإيمان ذو خصال كثيرة ، وأحكام متعددة ، غير أنها منحصرة فيما ينبغي التنزه والتطهر منه ، وهي كل ما نهى الشرع عنه ، وفيما [ ص: 475 ] ينبغي التلبس والاتصاف به ، وهي : كل ما أمر الشرع به ، فهذان الصنفان عبر عن أحدهما بالطهارة على مستعمل اللغة ، وهذا كما قد روي مرفوعا : " الإيمان نصفان : نصف شكر ونصف صبر " ، وقد قيل : إن الطهارة الشرعية لما كانت تكفر الخطايا السابقة كانت كالإيمان الذي يجب ما قبله ; فكانت شطر الإيمان بالنسبة إلى محو الخطايا ، وهذا فيه بعد ; إذ الصلاة وغيرها من الأعمال الصالحة تكفر الخطايا ; فلا يكون لخصوصية الطهارة بذلك معنى . ثم لا يصح أيضا معنى كون الطهارة نصف الإيمان بذلك الاعتبار ; لأنها إنما تكون مثلا له في التكفير ، ولا يقال على المثل للشيء : شطره ، وقيل : إن الإيمان هنا يراد به الصلاة ، كما قال الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم [ البقرة : 143 ] ; أي : صلاتكم على قول المفسرين ، ومعناه على هذا : أن الصلاة لما كانت مفتقرة إلى الطهارة كانت كالشطر لها ، وهذا أيضا فاسد ; إذ لا يكون شرط الشيء شطره لا لغة ولا معنى ، فالأولى التأويل الأول ، والله أعلم .
فإن قيل : كل ما ذكرتم مبني على أن المراد بالطهور : الطهارة ، وذلك لا يصح ; لأنه لم يروه أحد فيما علمناه : الطهور ، بالضم ، وإنما روي بالفتح ، فإذا هو الاسم على ما تقدم . قلنا : يصح أن يقال : يحمل هذا على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل كما تقدم ، ويمكن حمله على المعروف ، ويراد به استعمال الطهور شطر الإيمان .
و (قوله : " والحمد لله تملأ الميزان ") قد تقدم معنى الحمد ، وأنه راجع إلى الثناء على مثنى ما بأوصاف كماله ، فإذا حمد الله حامد مستحضرا معنى الحمد في [ ص: 476 ] قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات ، فإن أضاف إلى ذلك : سبحان الله ، الذي معناه تبرئة الله ، وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من النقائص ، ملأت حسناته وثوابها زيادة على ذلك " ما بين السماوات والأرض " ; إذ الميزان مملوء بثواب التحميد ، وذكر السماوات والأرض على جهة الإغياء على العادة العربية ، والمراد : أن الثواب على ذلك كثير جدا ، بحيث لو كان أجساما لملأ ما بين السماوات والأرض .
و (قوله : " والصدقة برهان ") أي : على صحة إيمان المتصدق ، أو على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ، أو على صحة محبة المتصدق لله تعالى ، ولما لديه من الثواب ; إذ قد آثر محبة الله تعالى وابتغاء ثوابه ، على ما جبل عليه من حب الذهب والفضة ; حتى أخرجه لله تعالى .
[ ص: 477 ] و (قوله : " والصبر ضياء ") كذا صحت روايتنا فيه ، وقد رواه بعض المشايخ : " والصوم ضياء " بالميم ، ولم تقع لنا تلك الرواية ، على أنه يصح أن يعبر بالصبر عن الصوم ، وقد قيل ذلك في قوله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة [ البقرة : 45 ] فإن تنزلنا على ذلك ; فيقال في كون الصبر ضياء ; كما قيل في كون الصلاة نورا ، وحينئذ لا يكون بين النور والضياء فرق معنوي بل لفظي . والأولى أن يقال : إن الصبر في هذا الحديث غير الصوم ; بل هو الصبر على العبادات والمشاق والمصائب ، والصبر عن المخالفات ، والمنهيات ، كاتباع هوى النفس والشهوات وغير ذلك ، فمن كان صابرا في تلك الأحوال ، متثبتا فيها ، مقابلا لكل حال بما يليق به ضاءت له عواقب أحواله ، ووضحت له مصالح أعماله ، فظفر بمطلوبه ، وحصل له من الثواب على مرغوبه ، كما قيل :
فقل من جد في أمر تطلبه واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر
و (قوله : " والقرآن حجة لك أو عليك ") يعني : أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تسأل فيها عنه ، كمسألة الملكين في القبر ، والمسألة عند الميزان ، وفي عقبات الصراط ، وإن لم تمتثل ذلك احتج به عليك ، ويحتمل أن يراد به : أن القرآن هو الذي ينتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحكمية ، فبه تستدل على صحة دعواك ، وبه يستدل عليك خصمك .
و (قوله : " كل الناس يغدو . . " الحديث) يغدو بمعنى : يبكر ، يقال : [ ص: 478 ] غدا إذا خرج صباحا في مصالحه ، يغدو . وراح : إذا رجع بعشي ، ومعنى ذلك أن كل إنسان يصبح ساعيا في أموره متصرفا في أغراضه ، ثم إما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الشرع والحق ، فهو الذي يبيع نفسه من الله ، وهو بيع آيل إلى عتق وحرية ، كما قال تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة [ التوبة : 111 ] . وإما أن تكون تصرفاته بحسب دواعي الهوى والشيطان ، فهو الذي باع نفسه من الشيطان فأوبقها ; أي : أهلكها ، ومنه : أو يوبقهن بما كسبوا [ الشورى : 34 ] . ومنه قول nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : " nindex.php?page=hadith&LINKID=694764الناس غاديان ، فبائع نفسه فموبقها ، أو مفاديها فمعتقها " .