قلت: وحمل هذا الحديث على هذا ليس بصحيح; بدليل بقية الحديث، فإنه قال: ( إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ ) وهذه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب في ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق، ويحصل تقذير الماء، وقد لا يروى إذا سقط من بزاقه شيء، أو خالطه من رائحة نفسه إن كانت هنالك رائحة كريهة. وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور، وهو الصواب إن شاء الله تعالى نظرا إلى المعنى، ولبقية الحديث، ولقوله للرجل: nindex.php?page=hadith&LINKID=664179 (أبن القدح عن فيك) ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق، ومن باب النظافة، وما كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر بشيء من مكارم الأخلاق ثم لا يفعله.
و( أروى ) من الري; أي: أكثر ريا.
و( أمرأ ) و( أبرأ ) قيل: إنهما بمعنى [ ص: 290 ] واحد; أي: أحسن شربا، والباء تبدل من الميم في مواضع.
و( أمرأ ) من قوله تعالى: هنيئا مريئا [النساء: 4] يقال: استمرأت الطعام إذا استحسنته واستطبته، وعلى هذا المعنى الذي صار إليه الجمهور يكون الشراب المذكور بمعنى الشرب مصدرا، لا بمعنى الشراب الذي هو المشروب. فتأمله؛ فإنه حسن معنى، وفصيح لغة، فإنه يقال: شرب شربا وشرابا بمعنى واحد.