المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4034 [ 2080 ] وعنها قالت: خرجت سودة، بعدما ضرب عليها الحجاب، لبعض حاجتها، وكانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسما، لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة! والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله، إني خرجت، فقال لي عمر: كذا وكذا، قالت: فأوحي إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن.

رواه مسلم (2170) (17).
و(قوله: تفرع النساء جسما ) أي: طولا. يقال: فرعت القوم: إذا طلتهم.

و( انكفأت ) صوابه بالهمزة، بمعنى: انقلبت وانصرفت. يقال: كفأت القوم كفئا: إذا أرادوا وجها فصرفتهم إلى غيره، فانكفؤوا. ووقع لبعض الرواة: انكفت - بحذف الهمزة والألف - وكأنه لما سهل الهمزة بقيت الألف ساكنة، فلقيها ساكن فحذفت.

و( العرق ) - بفتح العين وسكون الراء -: العظم الذي عليه اللحم. واعترقت العظم وتعرقته: إذا تتبعت ما عليه من اللحم. والعراق: العظم الذي لا لحم عليه.

و(قوله: قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن ) لا خلاف في أن المرأة [ ص: 498 ] تخرج لما تحتاج إليه من أمورها الجائزة، لكنها تخرج على حال بذاذة، وتستر، وخشونة ملبس; بحيث يستر حجم أعضائها، غير متطيبة، ولا متبرجة بزينة، ولا رافعة صوتها.

وعلى الجملة فالحال التي يجوز لها الخروج عليها: أن تكون بحيث لا تمتد لها عين، ولا تميل إليها نفس، وما أعدم هذه الحالة في هذه الأزمان; لما يظهرن من الزينة والطيب، والتبختر في الملابس الحسان، فمسامحتهن في الخروج على تلك الحال فسوق وعصيان. فإن قيل: فما الزينة التي استثنى الله تعالى لهن إظهارها في قوله: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها فالجواب: إن ذلك اختلف فيه، فقال ابن مسعود : إنها الثياب. يعني بذلك: ثيابها التي تستتر بها، ولا تستر هي، كالملحفة، والخمار. وعلى هذا فلا يجوز أن تبدي مما تحت ذلك شيئا; لا كحلا، ولا خاتما، ولا غير ذلك مما يستر بالملحفة والخمار. وقال ابن عباس والمسور : هي الكحل، والخاتم; يعني: أن العين لا يمكن سترها، وقد تتناول بيد الخاتم ما تحتاج إليه. وقال الحسن ومالك : هو الوجه، والكفان; لأنهما ليسا بعورة; إذ يجب كشفهما عليها في الإحرام عبادة، ويظهر ذلك منها في الصلاة، وهما اللذان يبدوان منها عادة. والكل محومون على أن المستثنى: هو ما يتعذر ستره إما عادة وإما عبادة.

وقد دل على أن المطلوب من المرأة ستر ما تتمكن من ستره قول الله تعالى: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن وقال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين .

فالخمار ما يلف على الرأس والحلق. والجلباب اختلف فيه، فقال الحسن : هو الرداء. وقال ابن جبير : المقنعة. وقال قطرب : هو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها. وقال أبو عبيدة : أدنى الجلباب أن تغطي وجها إلا قدر ما تبصر منه.

فرع: إذا قلنا: إن الوجه والكفين ليسا بعورة، وإنه يجوز لها كشفهما; فإذا كانت بارعة الجمال، وجب عليها أن تستر وجهها؛ لئلا تفتن الناس، فتكون من [ ص: 499 ] المميلات اللاتي قد توعدن بالنار، وللكلام في هذا متسع، وفيما ذكرناه مقنع.

التالي السابق


الخدمات العلمية