نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه; فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك، فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه، وعلى هذا فيكون النهي على ظاهره من التحريم، وقيل: هو على الكراهة، والأول أولى. ويستوي في هذا المعنى أن يجلس فيه بعد إقامته، أو لا يجلس، غير أن هذا الحديث خرج [ ص: 510 ] على أغلب ما يفعل من ذلك، فإن الإنسان في الغالب إنما يقيم الآخر من مجلسه ليجلس فيه، وكذلك يستوي فيه يوم الجمعة وغيره من الأيام التي يجتمع الناس فيها، لكن جرى ذكر يوم الجمعة في هذا الحديث; لأنه اليوم الذي يجتمع الناس فيه، ويتنافسون في المواضع القريبة من الإمام، وعلى هذا: فيلحق بذلك ما في معناه، ولذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : في يوم الجمعة وغيرها.
و(قوله: ولكن تفسحوا وتوسعوا ) هذا أمر للجلوس بما يفعلون مع الداخل، وذلك أنه لما نهي عن أن يقيم أحدا من موضعه تعين على الجلوس أن يوسعوا له، ولا يتركوه قائما، فإن ذلك يؤذيه، وربما يخجله. وعلى هذا: فمن وجد من الجلوس سعة تعين عليه أن يوسع له. وظاهر ذلك أنه على الوجوب؛ تمسكا بظاهر الأمر، وكأن القائم يتأذى بذلك، وهو مسلم، وأذى المسلم حرام. ويحتمل أن يقال: إن هذه آداب حسنة، ومن مكارم الأخلاق، فتحمل على الندب.
وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم فقيل: هو مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يزدحمون فيه؛ تنافسا في القرب من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: هو مجلس الصف في القتال. وقيل: هو [ ص: 511 ] عام في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير، والأجر، وهذا هو الأولى; إذ المجلس للجنس على ما أصلناه في الأصول.