التخنث: هو اللين والتكسر. والمخنث: هو الذي يلين في قوله، ويتكسر في مشيته، ويتثنى فيها كالنساء. وقد يكون خلقة، وقد يكون تصنعا من الفسقة. ومن كان ذلك فيه خلقة; فالغالب من حاله: أنه لا أرب له في النساء، ولذلك كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يعددن هذا المخنث من غير أولي الإربة، فكانوا لا يحجبونه إلى أن ظهر منه ما ظهر فحجبوه.
وقوله: ( إن مخنثا كان عندها ) اختلف في اسم هذا المخنث، والأشهر: أن اسمه هيت بياء ساكنة بعد الهاء باثنتين من تحتها، وآخرها تاء باثنتين من فوقها. وقيل: صوابه هنب - بنون وباء بواحدة أخيرا - والهنب: الرجل الأحمق، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13145ابن درستويه . وقيل: إن هذا المخنث هو ماتع- باثنتين من فوقها - مولى [ ص: 513 ] أبي فاختة المخزومي . قيل: وكان هو وهيت يدخلان في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما وقعت هذه القصة غربهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحمى. وقيل: إن مخنثا كان بالمدينة نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد .
يريد المخنث: أن هذه المرأة إذا أقبلت كان لها من كل جانب من جوانب بطنها عكنتان، وإذا أدبرت كان لها من خلفها ثمان، وأنث العدد لتأنيث المعدود، وهو: العكن: جمع عكنة.
وقد روى هذا الحديث nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي ، والكلبي وقالا: إن (هيتا) المخنث، [ ص: 514 ] وكان مولى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي أخي nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة لأبيها، وأم عبد الله عاتكة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له في بيت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع: إن افتتحتم الطائف فعليك ببادية ابنة غيلان بن غيلان الثقفي ; فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان، إن جلست تثنت، وإن تكلمت تغنت، بين رجليها كالإناء المكفوء، وهي كما قال قيس بن الخطيم:
تغترق الطرف وهي لاهية كأنما شف وجهها نزف بين شكول النساء خلقتها قصدا فلا غيلة ولا نصف تنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنقصف
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ) ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى. قال: فلما فتحت الطائف تزوجها nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له في قول nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي قال: ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما ولي nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر - رضي الله عنه - كلم فيه، فأبى أن يرده، فلما ولي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - كلم فيه، فأبى أن يرده، ثم كلم فيه بعد، وقيل: إنه قد كبر وضعف وضاع، فأذن له أن يدخل كل جمعة، فيسأل، ويرجع إلى مكانه. قال nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر : يقال: بادية - بالياء - وبادنة - بالنون - والصواب بالياء، وهو قول أكثرهم.
و(قوله: تغنت ) هو من الغنة، لا من الغناء; أي: أنها تتغنن في كلامها [ ص: 515 ] للينها، ورخامة صوتها. يقال: تغنن الرجل، وتغنى، مثل: تضنن وتضنى.
وفيه: ما يدل على جواز العقوبة بالنفي عن الوطن لمن يخاف منه الفساد والفسق، وعلى تحريم ذكر محاسن المرأة المعينة; لأن ذلك إطلاع الأسماع على عورتها، وتحريك النفوس إلى ما لا يحل منها؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=654839 (لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها) فأما ذكر محاسن من لا تعرف من النساء: فمباح إن لم يدع إلى مفسدة; من تهييج النفوس إلى الوقوع في الحرام، أو في المكروه.