[ ص: 524 ] (19) ومن باب النهي عن مناجاة اثنين دون الثالث
قوله: ( إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد ) (كان) هنا: تامة بمعنى: وجد، ووقع. و(ثلاثة): فاعل بها، بخلاف الرواية الأخرى; التي قال فيها: (إذا كنتم ثلاثة) فإنها فيها ناقصة. بمعنى: صرتم ثلاثة.
و(قوله: فلا يتناجى اثنان ) الرواية المشهورة فيه: (يتناجى) بالألف مقصورة ثابتة في الخط، غير أنها تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فإذا هو خبر عن نفي المشروعية، ويتضمن النهي عن ذلك. وقد وقع في بعض النسخ: (فلا يتناج) بغير ألف، على النهي، وهي واضحة. والتناجي: التحادث سرا. وقد زاد في الرواية الأخرى زيادة حسنة، فقال: ( حتى يختلطوا بالناس) فبين غاية المنع، وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه، كما فعل nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وذلك: أنه كان يتحدث مع رجل، فجاء آخر يريد أن يناجيه، فلم يناجه حتى دعا رابعا، فقال له وللأول: تأخرا، وناجى الرجل الطالب للمناجاة. وقد نبه في هذه الزيادة على التعليل [ ص: 525 ] بقوله: ( فإن ذلك يحزنه ) أي: يقع في نفسه ما يحزن لأجله، وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره، أو أنهم لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان، وأحاديث النفس. وحصل ذلك كله من بقائه وحده، فإذا كان معه غيره أمن ذلك، وعلى هذا: يستوي في ذلك كل الأعداد، فلا يتناجى أربعة دون واحد، ولا عشرة، ولا ألف مثلا; لوجود ذلك المعنى في حقه، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع، فيكون بالمنع أولى.
وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتأتى فيه ذلك المعنى. وظاهر هذا الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال. وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، والجمهور. وقد ذهب بعض الناس: إلى أن ذلك كان في أول الإسلام; لأن ذلك كان حال المنافقين، فيتناجى المنافقون دون المؤمنين، فلما فشا الإسلام سقط ذلك. وقال بعضهم: ذلك خاص بالسفر، وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه. فأما في الحضر وبين العمارة فلا.
قلت: وكل ذلك تحكم، وتخصيص لا دليل عليه. والصحيح: ما صار إليه الجمهور. والله تعالى أعلم.