وفيه ما يدل على أن علوم الملائكة بالكائنات يستفيده بعضهم من بعض إلا حملة العرش; فإنهم يستفيدون علومهم من الحق سبحانه وتعالى، فإنهم هم المبدوؤون بالإعلام أولا، ثم إن ملائكة كل سماء تستفيد من التي فوقها، وفي هذا دليل على أن النجوم لا يعرف بها علم الغيب ولا القضاء، ولو كان كذلك لكانت الملائكة أعلم بذلك وأحق به، وكل ما يتعاطاه المنجمون من ذلك فليس شيء منه علما يقينا، وإنما هو رجم بظن وتخمين بوهم، الإصابة فيه نادرة، والخطأ والكذب فيه غالب، وهذا مشاهد من أحوال المنجمين، والمطلوب من العلوم النجوميات ما يهتدى به في الظلمات وتعرف به الأوقات، وما سوى ذلك فمخارق وترهات، ويكفي في الرد عليهم ظهور كذبهم واضطراب قولهم، وقد اتفقت الشرائع على أن القضاء بالنجوم محرم مذموم.
وقوله: " ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون " هكذا عند nindex.php?page=showalam&ids=13486ابن ماهان ، وهو من القرف وهو الخلط - قاله صاحب الأفعال; أي: يخلطون فيها من الكذب.
وقوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق ، قرأه ابن عامر ويعقوب "فزع عن قلوبهم" مبنيا للفاعل، ويكون فيه ضمير يعود على الله تعالى; أي: أزال عن قلوبهم الفزع، وهذا على نحو قولهم: مرضت المريض - إذا عالجته فأزلت مرضه. وقرأه الجماعة "فزع" بضم الفاء مبنيا للمفعول الذي لم يسم فاعله; أي: أزيل عن قلوبهم الفزع، وهو الذعر على كلتا القراءتين.
قال كعب : إذا تكلم الله بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرت فزعا، ثم قالوا فيما بينهم: ماذا قال ربكم ؟
وقوله: قالوا الحق بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف; أي: قال القول الحق، وهو مفعول مطلق لا مفعول به; لأن القول لا يتعدى إلا إلى الجمل في أكثر قول النحويين.
قلت: وهذا التفسير هو الموافق لهذا الحديث، فتعين أن يكون هو المراد من الآية، وللمفسرين أقوال أخر بعيدة عن معنى الحديث أضربت عنها لذلك، فمن أرادها وجدها في كتبهم.