و (قوله: " هل رأى منكم أحد البارحة رؤيا؟ ") إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسألهم عن ذلك لما كانوا عليه من الصلاح، والصدق، فكان قد علم أن رؤياهم صحيحة، وأنها يستفاد منها الاطلاع على كثير من علم الغيب، وليبين لهم بالفعل الاعتناء بالرؤيا، والتشوف لفوائدها، وليعلمهم كيفية التعبير، وليستكثر من الاطلاع على علم الغيب.
و (قوله: " البارحة ") يعني به: الليلة البارحة، أي: الذاهبة، اسم فاعل من برح الشيء: إذا ذهب. ومنه قولهم: برح الخفاء، أي: ذهب. وإذا دخل حرف النفي على برح صار من أخوات كان التي ترفع الاسم، وتنصب الخبر. ووقع هذا اللفظ في غير كتاب nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : " هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا " بدل: " البارحة ". واستدل بعض الناس على أن ما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من الليل، وليس بصحيح؛ لأنه: إنما أشار لليلة البارحة، لا للساعة الحاضرة بدليل هذه [ ص: 30 ] الرواية الصحيحة التي قال فيها: " البارحة ". ومعناها: الماضية بالاتفاق، فكأنه قال: الليلة الماضية، أو المنصرمة. ولما كانت قريبة الانصرام أشار إليها، ولما كان هذا معلوما اكتفي بذكر الليلة عن صفتها، ولما كانت " البارحة " صفة معلومة لليلة استعملها غير تابعة استعمال الأسماء، وكان الأصل الجمع بين التابع والمتبوع، فيقال: الليلة البارحة. لكن ذلك جاز لما ذكرناه.