المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
391 [ 203 ] وعن ابن عمر ; قال : رقيت على بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدا لحاجته ، مستقبل الشام ، مستدبر القبلة .

وفي رواية : قاعدا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس .

رواه البخاري ( 148 ) ، ومسلم ( 266 ) ، وأبو داود ( 12 ) ، والترمذي ( 11 ) ، والنسائي ( 1 \ 23 ) .


و (قول ابن عمر : " رقيت على بيت أختي حفصة ") هذا الرقي من ابن عمر الظاهر منه أنه لم يكن عن قصد الاستكشاف ، وإنما كان لحاجة غير ذلك . ويحتمل أن يكون ليطلع على كيفية جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم - للحدث ، على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك ، وأنه تحفظ من أن يطلع على ما لا يجوز له ، وفي هذا الثاني بعد ، وكونه - صلى الله عليه وسلم - على لبنتين ; يدل لمالك على قوله : إذا اجتمع المرحاض الملجئ والساتر جاز ذلك .

واستقباله بيت المقدس يدل على خلاف ما ذهب إليه النخعي وابن سيرين ، فإنهما منعا ذلك .

وما روي من النهي عن استقبال شيء من القبلتين بالغائط لا يصح ; لأنه من رواية عبد الله بن نافع مولى ابن عمر ، وهو ضعيف . وقد ذهب [ ص: 523 ] بعض من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقا : إلى أن حديث ابن عمر لا يصلح تخصيص حديث أبي أيوب ; لأنه فعل في خلوة ، وهو محتمل للخصوص ، وحديث أبي أيوب قول قعدت به القاعدة ، فبقاؤه على عمومه أولى . والجواب عن ذلك أن نقول : أما فعله - عليه الصلاة والسلام - فأقل مراتبه أن يحمل على الجواز ; بدليل مطلق اقتداء الصحابة بفعله ، وبدليل قوله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ الأحزاب : 21 ] ، وبدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة حين سألتها المرأة عن قبلة الصائم : " ألا أخبرتها أني أفعل ذلك " ، وقالت عائشة : فعلته أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا ، يعني : التقاء الختانين . وقبل ذلك الصحابة وعملوا عليه .

وأما كون هذا الفعل في خلوة فلا يصلح مانعا من الاقتداء ; لأن الحدث كله كذلك يفعل ، ويمنع أن يفعل في الملأ ، ومع ذلك فقد نقل وتحدث به ، سيما وأهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة . وأما دعوى الخصوص فلو سمعها النبي - صلى الله عليه وسلم - لغضب على مدعيها ، وأنكر ذلك كما قد غضب على من ادعى تخصيصه بجواز القبلة ، فإنه غضب عليه ; وأنكر ذلك ، وقال : " والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده " ، وكيف يجوز توهم هذا ؟ وقد تبين أن [ ص: 524 ] ذلك إنما شرع إكراما للقبلة ، وهو أعلم بحرمتها وأحق بتعظيمها ، وكيف يستهين بحرمة ما حرم الله ؟ هذا ما لا يصدر توهمه إلا من جاهل بما يقول ، أو غافل عما كان يحترمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية