و (قوله: " حتى أتى خباء فاطمة ") أي: بيتها، وأصل الخباء: ما يخبأ فيه، وقد صار بحكم العرف العربي عبارة عن بيوت الأعراب.
و (قوله صلى الله عليه وسلم للحسن : " أثم لكع ؟ ") يعني به: الصغير، وهي لغة بني تميم ، وسئل nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن اللكع، فقال: هو الصغير في لغتنا، وأصل هذه الكلمة: أنها تستعمل للتحقير، والتجهيل، واللكع: العبد الوغد، والقليل العقل، ويقال للأنثى: لكعاء، ويعدل به في النداء إلى لكاع، وقد تقدم القول فيه. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ممازحا بذلك اللفظ، ومؤنسا كما يقول الرجل لابنه الصغير: تعال يا كليب، وكما قالت العربية لابنها وهي ترقصه: حزقة عين بقة.
والسخاب: خيط فيه خرز ينظم، ويجعل في عنق الصبيان، والسخاب مأخوذ من السخب، وهو اختلاط الأصوات، وارتفاعها، وكأن هذه الخرزات لها أصوات مختلفة عند احتكاك بعضها مع البعض، وقيل: السخاب من القلائد: ما اتخذ من القرنفل، والمسك، والعود وشبهه، دون الجوهر.
[ ص: 300 ] و (قوله: " حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه ") فيه ما يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بالصغار، وإكرامه ومحبته للحسن، ولا خلاف - فيما أحسب - في جواز عناق الصغار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اختلف في عناق الكبير في حالة السلام، وكرهه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وأجازه nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ، وغيره، واحتج سفيان على nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في ذلك بعناق النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا لما قدم عليه، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : ذلك مخصوص بجعفر . وقال سفيان : ما يخص جعفرا يعمنا، فسكت nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، ويدل سكوت nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك على أنه ظهر له ما قاله سفيان من جواز ذلك. قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : وهو الحق حتى يدل دليل على تخصيص جعفر بذلك.
والعاتق: ما بين المنكب إلى العنق، وقيل: هو موضع الرداء من المنكب.
وفيه من الفقه ما يدل على: جواز حمل الصبيان، وترك التعمق في التحفظ مما يكون منهم من المخاط والبول، وغير ذلك، فلا يجتنب من ذلك إلا ما ظهرت عينه، أو تحقق، أو تفاحش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعملون على مقتضى الحنيفية السمحة، فيمشون حفاة في الطين، ويجلسون بالأرض، وتكون عليهم الثياب الوسخة التي ليست بنجسة، [ ص: 301 ] ويلعقون أصابعهم، والقصعة عند الأكل، ولا يعيبون شيئا من ذلك، ولا يتوسوسون فيه، وكل ذلك رد على غلاة متوسوسة الصوفية اليوم، فإنهم يبالغون في نظافة الظواهر والثياب، وبواطنهم وسخة خراب.