واسمه عمرو بن راشد ، من ولد لخم بن عدي ، يكنى أبا عبد الله ، وقيل : أبا محمد ، وهو حليف nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير بن العوام ، وقيل : لبني أسد ، وقيل : كان عبدا [ ص: 439 ] لعبيد الله بن حميد ، كاتبه فأدى كتابته يوم الفتح ، شهد بدرا والحديبية ، مات سنة ثلاثين بالمدينة وهو ابن خمس وستين سنة ، وصلى عليه nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، وقد شهد له بالإيمان في قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [الممتحنة: 1] وقد شهد له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالإيمان والصدق وبأنه لا يدخل النار على ما تضمنه الحديثان المذكوران في الأم .
وروضة خاخ : موضع معروف قريب من المدينة . والظعينة : الهودج كان فيه امرأة أو لم يكن ، وتسمى المرأة ظعينة إذا كانت في الهودج ، وتجمع الظعينة : ظعن وظعن وظعائن وأظعان . والعقاص : الشعر المعقوص ، أي المضفور . والملصق في القوم : هو الذي لا نسب له فيهم ، وهو الحليف والنزيل والدخيل .
و (قوله " وكان ممن معك ") ، كذا وقع هذا اللفظ " ممن " بزيادة " من " ، وفي بعض النسخ " من معك " بإسقاط " من " وهو الصواب ؛ لأن " من " لا تزاد في الواجب عند البصريين وأكثر أهل اللسان ، وقد أجاز ذلك بعض الكوفيين .
[ ص: 440 ] و (قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه " دعني أضرب عنق هذا المنافق ") ، إنما أطلق عليه اسم النفاق لأن ما صدر منه يشبه فعل المنافقين ، لأنه والى كفار قريش وباطنهم وهم بأن يطلعهم على ما عزم عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غزوهم ، مع أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كان دعا فقال : " اللهم أخف أخبارنا عن قريش "، لكن nindex.php?page=showalam&ids=195حاطبا لم ينافق في قلبه ولا ارتد عن دينه ، وإنما تأول فيما فعل من ذلك أن إطلاع قريش على بعض أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يضر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويخوف قريشا . ويحكى أنه كان في الكتاب تفخيم أمر جيش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنهم لا طاقة لهم به ، يخوفهم بذلك ليخرجوا عن مكة ويفروا منها ، وحسن له هذا التأويل تعلق خاطره بأهله وولده ، إذ هم قطعة من كبده ، ولقد أبلغ من قال : قلما يفلح من كان له عيال . لكن لطف الله به ونجاه لما علم من صحة إيمانه وصدقه ، وغفر له بسابقة بدر وسبقه .
و (قوله صلى الله عليه وسلم " وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ") ، معنى " يدريك " : يعلمك ، ولعل : للترجي ، لكن هذا الرجاء محقق للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدليل ما ذكر الله تعالى في قصة أهل بدر في آل عمران والأنفال من ثنائه عليهم وعفوه عنهم ، وبدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للذي قال في nindex.php?page=showalam&ids=195حاطب إنه يدخل النار وأقسم عليه : " كذبت ، لا يدخلها ؛ فإنه شهد بدرا ! " ، فهذا إخبار [ ص: 441 ] محقق لا احتمال فيه ولا تجوز ، وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم " اعملوا ما شئتم " إباحة كل الأعمال والتخيير فيما شاؤوا من الأفعال ، وذلك في الشريعة محال ؛ إذ المعلوم من قواعدها أن التكليف بالأوامر والنواهي متوجهة على كل من كان موصوفا بشرطها إلى موته ، ولما لم يصح ذلك الظاهر اضطر إلى تأويله فقال nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج الجوزي : ليس قوله " اعملوا ما شئتم " للاستقبال ، وإنما هي للماضي ، وتقديره : أي عمل كان لكم فقد غفرته . قال : ويدل على ذلك شيئان ؛
أحدهما : أنه لو كان للمستقبل كان جوابه فسأغفر .
والثاني : أنه كان يكون إطلاقا في الذنوب - ولا وجه لذلك ، ويوضح هذا أن القوم خافوا من العقوبة فيما بعد ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : يا nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ، هل أنا منهم ؟
قلت : وهذا التأويل وإن كان حسنا غير أن فيه بعدا ، تبيينه أن " اعملوا " صيغته صيغة الأمر ، وهي موضوعة للاستقبال ، ولم تضع العرب قط صيغة الأمر موضع الماضي لا بقرينة ولا بغير قرينة ، هكذا نص عليه النحويون ، وصيغة الأمر إذا وردت بمعنى الإباحة إنما هي بمعنى الإنشاء والابتداء لا بمعنى الماضي ، فتدبر هذا فإنه حسن ، وقد بينته في الأصول بأشبع من هذا ، واستدلاله على ذلك بقوله " فقد غفرت لكم " ليس بصحيح ؛ لأن " اعملوا ما شئتم " يستحيل أن يحمل على طلب الفعل ، ولا يصح أن يكون بمعنى الماضي لما ذكرناه ، فتعين [ ص: 442 ] حمله على الإباحة والإطلاق ، وحينئذ يكون خطاب إنشاء ، فيكون كقول القائل : أنت وكيلي ، وقد جعلت لك التصرف كيف شئت - فإن ذلك إنما يقتضي إطلاق التصرف في وقت التوكيل لا قبل ذلك ، وقد ظهر لي وجه آخر وأنا أستخير الله فيه وهو : أن الخطاب خطاب إكرام وتشريف تضمن أن هؤلاء القوم حصلت لهم حالة غفرت لهم بها ذنوبهم السالفة وتأهلوا بها لأن يغفر لهم ذنوب مستأنفة إن وقعت منهم ، لا أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة ، بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع ، ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء ما وجود ذلك الشيء ، إذ لا يلزم من وجود أهلية الخلافة وجودها لكل من وجدت له أهليتها ، وكذلك القضاء وغيره ، وعلى هذا فلا يأمن من حصلت له أهلية المغفرة من المؤاخذة على ما عساه أن يقع منه من الذنوب ، وعلى هذا يخرج حال كل من بشره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه مغفور له وأنه من أهل الجنة ، فيتضمن ذلك مغفرة ما مضى وثبوت الصلاحية للمغفرة والجنة بالنسبة لما يستقبل . ولذلك لم يزل عن أحد ممن بشر بالمغفرة أو بالجنة خوف التبديل والتغيير من المؤاخذة على الذنوب ولا ملازمة التوبة منها والاستغفار دائما ، ثم إن الله تعالى أظهر صدق رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للعيان في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك ، فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة من أمور الدين ومراعاة أحواله والتمسك بأعمال البر والخير إلى أن توفوا على ذلك ، ومن وقع منهم في معصية أو مخالفة لجأ إلى التوبة ولازمها حتى لقي الله تعالى عليها ، يعلم ذلك قطعا من أحواله من طالع سيرهم وأخبارهم .
ومنه ما يدل على أن الجاسوس حكمه بحسب ما يجتهد فيه الإمام على ما يقوله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : يعاقب ، وينفى إلى غير أرضه . وقال أصحاب الرأي : يعاقب ويسجن . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن كان من ذوي الهيئات كحاطب عفي عنه ، وإلا عزر . وجميع أهل بدر ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا باتفاق أئمة السير والتواريخ ، واختلف في طائفة نحو الخمسة هل شهدوها أم لا ؟ وتفصيل ذلك في كتب السير .