يكنى : أبا عبد الله ، كان أكبر من علي أخيه - رضي الله عنهما - بعشر سنين ، وكان من المهاجرين الأولين ، هاجر إلى أرض الحبشة ، وقدم منها على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين فتح خيبر ، فتلقاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعانقه ، وقال : " ما أدري بأيهما [ ص: 458 ] أنا أشد فرحا ، بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر ؟ " . وكان قدومه من الحبشة في السنة السابعة من الهجرة ، واختط له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى جنب المسجد ، وقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أشبهت خلقي وخلقي " . ثم غزا غزوة مؤتة ، وذلك في سنة ثمان من الهجرة ، فقتل فيها بعد أن قاتل فيها حتى قطعت يداه جميعا ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء " . فمن هنالك قيل له : ذو الجناحين . ولما أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعي جعفر أتى امرأته nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس ، فعزاها في زوجها ، فدخلت فاطمة تبكي وهي تقول : واعماه ! فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " على مثل جعفر فلتبك البواكي " .
وأما أسماء فهي : ابنة عميس بن معد بن الحارث بن تيم بن كعب بن مالك الخثعمية ، من خثعم أنمار ، وهي أخت nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخت لبابة - أم الفضل - زوجة nindex.php?page=showalam&ids=18العباس ، وأخت أخواتها ، وهن : تسع ، وقيل : عشر . هاجرت أسماء مع زوجها جعفر إلى أرض الحبشة ، فولدت له هنالك محمدا ، وعبد الله ، وعوفا ، ثم هاجرت إلى المدينة . فلما قتل جعفر ، تزوجها nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنهما، وولدت له محمد بن أبي بكر ، ثم مات عنها فتزوجها nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، فولدت يحيى بن علي ، لا خلاف في ذلك ، وقيل : كانت nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس تحت nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب ، فولدت له ابنة [ ص: 459 ] تسمى : أمة الله . وقيل : أمامة ، ثم خلف عليها بعده شداد بن الهادي الليثي ، فولدت له : عبد الله وعبد الرحمن ، ثم خلف عليها بعده جعفر، ثم كان الأمر كما ذكر .
و (قول nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى : إما قال : بضعة ، وإما قال : ثلاثة وخمسين ، أو اثنين وخمسين رجلا ؟) كذا صواب الرواية فيه بإثبات هاء التأنيث في بضعة ، لأنه عدد مذكر ، وبالنصب على الحال من : خرجنا المذكور ، وإما : موطئة للشك ، وما بعدها معطوف عليها مشكوك فيه ، وقد وقع في بعض النسخ ، إما قال : بضع - بإسقاط الهاء - وبالرفع مع نصب : وخمسين ، وذلك لحن واضح ، والأول الصواب .
[ ص: 460 ] و (قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : الحبشية هذه ؟ البحرية هذه ؟) نسبها إلى الحبشة لمقامها فيهم، وللبحر لمجيئها فيه، وهو استفهام قصد به المطايبة والمباسطة، فإنه كان قد علم من هي حين رآها .
و (قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منكم ) ، صدر هذا القول من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - على جهة الفرح بنعمة الله ، والتحدث بها ، لما علم من عظيم أجر السابق للهجرة . ورفعه درجته على اللاحق ، لا على جهة الفخر والترفع ، فإن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - منزه عن ذلك ، ولما سمعت أسماء ذلك ، غضبت غضب منافسة في الأجر وغيره على جهة السبق ، فقالت : كذبت يا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ! أي : أخطأت في ظنك ، لا أنها نسبته إلى الكذب الذي يأثم قائله ، وكثيرا ما يطلق الكذب بمعنى الخطأ ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - : كذب أبو محمد ، لما زعم أن الوتر واجب .
و (قولها : كلا والله ) أي : لا يكون ذلك ، فهي نفي لما قال ، وزجر عنه ، وهذا أصل كلا ، وقد تأتي للاستفتاح بمعنى ألا . والبعداء : جمع بعيد . والبغضاء : جمع بغيض ، كظريف وظرفاء ، وشريف وشرفاء .
[ ص: 461 ] و (قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ليس أحق بي منكم ") يعني في الهجرة لا مطلقا . وإلا فمرتبة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه وخصوصية صحبته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معروفة بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " له ولأصحابه هجرة واحدة ، ولكم أهل السفينة هجرتان " . وسبب ذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وأصحابه هاجروا من مكة إلى المدينة هجرة واحدة في طريق واحد ، وهاجر جعفر وأصحابه إلى أرض الحبشة ، وتركوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة ، ثم إنهم لما سمعوا بهجرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة ابتدؤوا هجرة أخرى إليه ، فتكرر الأجر بحسب تكرار العمل والمشقة في ذلك .
و (قولها : يأتوني أرسالا ) ، أي : متتابعين جماعة بعد جماعة ، وواحد الأرسال : رسل ، كأحمال جمع حمل . يقال : جاءت الخيل أرسالا ، أي : قطعة قطعة ، ففيه قبول أخبار الآحاد ، وإن كان خبر امرأة ، وفيما ليس طريقا للعمل ، والاكتفاء بخبر الواحد المفيد لغلبة الظن مع التمكن من الوصول إلى اليقين ، فإن الصحابة رضي الله عنهم اكتفوا بخبرها ، ولم يراجعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء من ذلك ، وخبرها يفيد ظن صدقها ، لا العلم بصدقها ، فافهم هذا .
و (قولها : ما من الدنيا شيء هم أفرح به ، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ) تعني : ما من الدنيا شيء يحصل به ثواب عند الله تعالى هو في [ ص: 462 ] نفوسهم أعظم قدرا ، ولا أكثر أجرا ، مما تضمنه هذا القول ، لأن أصل أفعل أن تضاف إلى جنسها ، وأعراض الدنيا ليست من جنس ثواب الآخرة ، فتعين ذلك التأويل ، والله تعالى أعلم .