(قوله - صلى الله عليه وسلم - : " تجدون الناس معادن ") أي : كالمعادن ، وهو مثل ، وقد جاء في حديث آخر : " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " . ووجه التمثيل : أن المعادن مشتملة على جواهر مختلفة ، منها النفيس ، والخسيس ، وكل من المعادن يخرج ما في أصله ، وكذلك الناس كل منهم يظهر عليه ما في أصله ، فمن كان ذا شرف وفضل في الجاهلية فأسلم لم يزده الإسلام إلا شرفا ، فإن تفقه في دين الله ، فقد وصل إلى غاية الشرف ، إذ قد اجتمعت له أسباب الشرف كلها ، فيصدق عليه قوله : " فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " . والمعادن : واحدها معدن - بكسر الدال - ؛ لأنه موضع العدن ، أي : الإقامة اللازمة ، ومنه : جنات عدن ، وسمي المعدن بذلك ، لأن الناس يقيمون فيه صيفا وشتاء . قاله الجوهري .
[ ص: 478 ] و (قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له ") هكذا الرواية : " من خير الناس " وهي لبيان جنس الخيرية ، كأنه قال : تجدون أكره الناس في هذا الأمر من خيارهم ، ويصح أن يقال على مذهب الكوفيين : إنها زائدة ، فإنهم يجيزون زيادة " من " في الموجب ، كما تقدم . ويعني بالأمر : الولايات ، وإنما يكون من يكرهها من خير الناس ، إذا كانت كراهته لها لعلة تعظيم حقوقها ، وصعوبة العدل فيها ، ولخوفه من مطالبة الله تعالى بالقيام بذلك كله ، ولذلك قال فيها : " نعمت المرضعة ، وبئست الفاطمة " ، وكفى بذلك ما تقدم من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ما من أمير عشيرة إلا يؤتى يوم القيامة مغلولا ، حتى يفكه العدل ، أو يوبقه الجور " . وذكر ذي الوجهين مفسر في الحديث ، وإنما كان ذو الوجهين شر الناس ، لأن حاله حال المنافقين ، إذ هو متملق بالباطل والكذب ، يدخل الفساد بين الناس ، والشرور ، والتقاطع ، والعداوة ، والبغضاء .