(قوله : " رغم أنفه ، ثم رغم أنفه ، ثم رغم أنفه ") يقال : بكسر الغين وفتحها ، لغتان . رغم : بفتح الراء وكسرها وضمها ، ومعناه : لصق بالرغام - بفتح الراء - : وهو التراب ، وأرغم الله أنفه ، أي : ألصقه به ، وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مؤكد على من قصر في بر أبويه ، ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون معناه : [ صرعه الله لأنفه فأهلكه ، وهذا إنما يكون في حق من لم يقم بما يجب عليه من برهما .
وثانيهما : أن يكون معناه ] : أذله الله ، لأن من ألصق أنفه -الذي هو أشرف أعضاء الوجه - بالتراب - الذي هو موطئ الأقدام وأخس الأشياء - فقد انتهى من الذل إلى الغاية القصوى ، وهذا يصلح أن يدعى به على من فرط في متأكدات المندوبات ، ويصلح لمن فرط في الواجبات ، وهو الظاهر ، وتخصيصه عند الكبر بالذكر - وإن كان برهما واجبا على كل حال - إنما كان ذلك لشدة حاجتهما إليه ، ولضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما ، وليبادر الولد اغتنام فرصة برهما ؟ لئلا تفوته بموتهما ، فيندم على ذلك .
[ ص: 519 ] و (قوله : " أحدهما أو كليهما ") كذا الروايات الصحيحة بنصب أحدهما وكليهما ، لأنه بدل من والديه المنصوب بأدرك ، وقد وقع في بعض النسخ : أحدهما أو كلاهما مرفوعين على الابتداء ، ويتكلف لهما إضمار الخبر ، والأول أولى .
وعقوق الوالدين : مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما الجائزة لهما، وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباحات في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوبات، [ وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبا إليه، وأمرهما بالمندوب ] يزيده تأكيدا في ندبيته، والصحيح الأول؛ لأن الله تعالى قد قرن طاعتهما، والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده فقال : [ ص: 521 ] وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا [الإسراء: 23]، وقال : ووصينا الإنسان بوالديه حسنا [العنكبوت : 8] في غير ما موضع ، وكذلك جاءت في السنة أحاديث كثيرة تقتضي لزوم طاعتهما فيما أمرا به ، فمنها ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=663480كان تحتي امرأة أحبها ، وكان أبي يكرهها ، فأمرني أن أطلقها ، فأبيت ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ! طلق امرأتك " . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . فإن قيل : فكيف يرتفع حكم الله الأصلي بحكم غيره الطارئ ؟ فالجواب : أنه لم يرتفع حكم الله بحكم غيره بل بحكمه ، وذلك أنه لما أوجب علينا طاعتهما ، والإحسان إليهما ، وكان من ذلك امتثال أمرهما ؟ وجب ذلك الامتثال لأنه لا يحصل ما أمرنا الله به إلا بذلك الامتثال ، ولأنهما إن خولفا في أمرهما حصل العقوق الذي حرمه الله تعالى ، فوجب أمرهما على كل حال بإيجاب الله تعالى .