و (قوله : لما نزلت : من يعمل سوءا يجز به [النساء: 123] بلغت من المسلمين مبلغا شديدا ) هذا يدل على : أنهم كانوا يتمسكون بالعمومات في العلميات ، كما كانوا يتمسكون بها في العمليات . وفيه رد على من توقف في ألفاظ العموم ، وأن " من " من ألفاظه ، وكذلك النكرة في سياق الشرط ، فإنهم فهموا [ ص: 547 ] عموم الأشخاص من " من " وعموم الأفعال السيئة من " سوء " المذكور في سياق الشرط ، وقد أوضحنا ذلك في الأصول ، وإنما عظم موقع هذه الآية عليهم ؛ لأن ظاهرها : أن ما من مكلف يصدر عنه شر كائنا ما كان إلا جوزي عليه ، يوم الجزاء ، وأن ذلك لا يغفر ، وهذا أمر عظيم ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم شدة ذلك عليهم سكنهم وأرشدهم وبشرهم ، فقال : " قاربوا وسددوا " أي : قاربوا في أفهامكم وسددوا في أعمالكم ، ولا تقلوا ، ولا تشددوا على أنفسكم ، بل بشروا واستبشروا بأن الله تعالى بلطفه قد جعل المصائب التي لا ينفك عنها أحد في هذه الدار سببا لكفارة الخطايا والأوزار ، حتى يرد عليه المؤمن يوم القيامة وقد خلصه من تلك الأكدار ، وطهره من أذى تلك الأقذار ، فضلا من الله ونعمة ، ولطفا ورحمة .
و (قوله : " حتى الهم يهمه ") يجوز في الهم الخفض على العطف على لفظ ما قبله ، والرفع على موضعه ؛ فإن " من " زائدة ، ويجوز رفعه على الابتداء وما بعده خبره .
فأما (قوله : " حتى النكبة ينكبها ، والشوكة يشاكها ") فيجوز فيه الوجهان ، كذلك قيدهما المحققون ، غير أن رفع الشوكة لا يجوز إلا على الابتداء خاصة ، لأن ما قبلها لا موضع رفع له فتأمله ، وقيده القاضي : يهمه بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله ، وكذا وجدته مقيدا بخط شيخي أبي الصبر أيوب ، والذي أذكر أني قرأت به على من أثق به ؛ بفتح يهمه -بفتح الياء وضم الهاء مبنيا للفاعل - ، ووجهه واضح إذ معناه : حتى الهم يصيبه ، أو يطرأ عليه . والنكبة بالباء : العثرة والسقطة ، وينكبها - بضم الياء وفتح الكاف - : مبنيا للمفعول .