وإذا تقررت حقيقة الغيبة وأن أصلها على التحريم ، فاعلم أنها قد تخرج عن ذلك الأصل صور ، فتجوز الغيبة في بعضها ، وتجب في بعضها ، ويندب إليها في بعضها : فالأولى كغيبة المعلن بالفسق المعروف به ، فيجوز ذكره بفسقه لا بغيره ، مما يكون مشهورا به ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " بئس أخو العشيرة " كما يأتي ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا غيبة في فاسق " ، ولقوله : " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " . والثاني : [ ص: 571 ] جرح شاهد عند خوف إمضاء الحكم بشهادته ، وجرح المحدث الذي يخاف أن يعمل بحديثه ، أو يروى عنه ، وهذه أمور ضرورية في الدين ، معمول بها ، مجمع من السلف الصالح عليها .
ونحو ذلك : ذكر عيب من استنصحت في مصاهرته أو معاملته ، فهذا يجب عليك الإعلام بما تعلم من هناته عند الحاجة إلى ذلك ، على جهة الإخبار ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية فصعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه " .
وقد يكون من هذين النوعين ما لا يجب ، بل يندب إليه ، كفعل المحدثين حين يعرفون بالضعفاء مخافة الاغترار بحديثهم ، وكتحريز من لم يسأل مخافة معاملة من حاله تجهل ، وحيث حكمنا بوجوب النص على الغيب ، فإنما ذلك إذا لم نجد بدا من التصريح والتنصيص ، فأما لو أغنى التعريض والتلويح ، لحرم التنصيص والتصريح ؛ فإن ذلك أمر ضروري ، والضروري يقدر بقدر الحاجة ، والله تعالى أعلم .
و (قوله : " وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ") هو بتخفيف الهاء وتشديد التاء ، لإدغام تاء المخاطب في التاء التي هي لام الفعل ، وكذلك رويته ، ويجوز أن تكون مخففة على إسقاط تاء الخطاب ، يقال : بهته بهتا وبهتا وبهتانا ، أي : قال عليه ما لم يقل ، وهو بهات ، والمقول مبهوت ، ويقال : بهت الرجل - بالكسر - إذا دهش وتحير ، وبهت - بالضم - مثله ، وأفصح منها : بهت ، كما قال تعالى : فبهت الذي كفر [البقرة: 258] لأنه يقال : رجل مبهوت ، ولا يقال : باهت ، ولا بهيت . قاله الكسائي .