المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4699 [ 2505 ] وعن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة ، فضجرت ، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " خذوا ما عليها، ودعوها ، فإنها ملعونة"، قال عمران: فكأني أراها الآن ناقة ورقاء تمشي في الناس ما يعرض لها أحد".

رواه أحمد ( 4 \ 429 )، ومسلم (2595) (80 و 81)، وأبو داود (2561).


وقوله صلى الله عليه وسلم في الناقة المدعو عليها باللعنة : " خذوا ما عليها فإنها ملعونة ") حمله بعض الناس على ظاهره ، فقال : أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على أن هذه الناقة قد لعنها الله تعالى ، وقد استجيب لصاحبتها فيها ؛ فإن أراد هذا القائل أن الله تعالى لعن هذه الناقة كما يلعن من استحق اللعنة من المكلفين ، كان ذلك باطلا ؛ إذ الناقة ليست بمكلفة ، وأيضا فإن الناقة لم يصدر منها ما يوجب لعنها ، وإن أراد [ ص: 581 ] أن هذه اللعنة : إنما هي عبارة عن إبعاد هذه الناقة عن مالكتها ، وعن استخدامها إياها ، فتلك اللعنة إنما ترجع لصاحبتها ؛ إذ قد حيل بينها وبين مالها ، ومنعت الانتفاع به ، لا للناقة ، لأنها قد استراحت من ثقل الحمل وكد السير . فإن قيل : فلعل معنى لعنة الله الناقة أن تترك ألا يتعرض لها أحد ، فالجواب : أن معنى ترك الناس لها إنما هو أنهم لم يؤووها إلى رحالهم ، ولا استعملوها في حمل أثقالهم ، فأما أن يتركوها في غير مرعى ومن غير علف حتى تهلك فليس في الحديث ما يدل عليه . ثم هو مخالف لقاعدة الشرع في الأمر بالرفق بالبهائم والنهي عن تعذيبها ، وإنما كان هذا منه صلى الله عليه وسلم تأديبا لصاحبتها ، وعقوبة لها فيما دعت عليها بما دعت به .

ويستفاد منه : جواز العقوبة في المال لمن جنى فيه بما يناسب ذلك ، والله تعالى أعلم .

والورقاء : التي يخالط بياضها سواد ، والذكر أورق .

التالي السابق


الخدمات العلمية