المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4759 [ 2538 ] وعن أبي ذر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر ! إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك" .

وفي أخرى : "ثم انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف" .

رواه أحمد ( 5 \ 149 )، ومسلم (2625) (142 و 143).


و (قوله : " إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك ") هذا الأمر على جهة الندب ، والحض على مكارم الأخلاق ، وإرشاد إلى محاسنها ، لما يترتب عليه من المحبة ، وحسن العشرة والألفة ، ولما يحصل به من المنفعة ، ودفع الحاجة والمفسدة ، فقد يتأذى الجار بقتار قدر جاره ، وعياله وصغار ولده ، ولا يقدر على التوصل إلى ذلك ، فتهيج من ضعفائهم الشهوة ، ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة ، وربما يكون يتيما ، أو أرملة ضعيفة ، فتعظم المشقة ، ويشتد منهم الألم والحسرة ، وكل ذلك يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يدفع إليهم ، فلا أقبح من منع هذا النذر اليسير الذي يترتب عليه هذا الضرر الكبير .

و (قوله : " فأكثر ماءها ") تنبيه لطيف على تيسير الأمر على البخيل ؛ إذ الزيادة [ ص: 612 ] المأمور بها ، إنما هي فيما ليس له ثمن ، وهو الماء . ولذلك لم يقل : إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها ، أو طبيخها ؛ إذ لا يسهل ذلك على كل أحد .

و (قوله : " فأصبهم منها بمعروف ") أي : بشيء يهدى مثله عرفا ، تحرزا من القليل المحتقر ، فإنه - وإن كان مما يهدى - فقد لا يقع ذلك الموقع ، فلو لم يتيسر إلا القليل المحتقر فليهده ولا يحتقره ، كما جاء في الحديث الآخر : " لا تحقرن من المعروف شيئا " ويكون المهدي له مأمورا بقبول ذلك المحتقر ، والمكافأة عليه ، ولو بالشكر ، لأنه وإن كان قدره محتقرا ، دليل على تعلق قلب المهدي بجاره .

التالي السابق


الخدمات العلمية