(قوله تعالى : هو الذي أنـزل عليك الكتاب منه آيات محكمات الآية [آل عمران: 3]) اختلف الناس في المحكمات والمتشابهات ، على أقوال كثيرة ، منها أن المحكم هو الناسخ ، والمتشابه هو المنسوخ .
ومنها أن المحكم هو القرآن كله ، والمتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور .
[ ص: 696 ] ومنها : أن المحكم آيات الأحكام ، والمتشابه : آيات الوعيد . ومنها : أن المتشابه آيات إبهام قيام الساعة ، والمحكم : ما عداها .
ومنها : أن المحكم ما وضح معناه وانتفى عنه الاشتباه ، والمتشابه : نقيضه . وهذا أشبه ما قيل في ذلك ، لأنه جار على وضع اللسان ، وذلك أن المحكم اسم مفعول من : أحكم . والإحكام : الإتقان . ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ، ولا تردد ، وإنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته ، واتفاق تركيبها ، ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال ، وإلى نحو ما ذكرناه صار جعفر بن محمد ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق .
و ( قوله : هن أم الكتاب ) أي : أصله الذي يرجع إليه عند الإشكال والاستدلال ، ومنه سميت الفاتحة : أم القرآن ، لأنها أصله ؛ إذ هي آخذة بجملة علومه ، فكأنه قال : المحكمات : أصول ما أشكل من الكتاب ، فتعين رد ما أشكل منه إلى ما وضح منه ، وهذا أيضا أحسن ما قيل في ذلك .
و ( قوله : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) الزيغ : الميل عن الحق ، وابتغاء الفتنة : طلب الفتنة ، وهي الضلال . nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : الشك . وتأويله ما آل إليه أمره ، وكنه حقيقته ، فكأنهم تعمقوا في التأويل طلبا لكنه الأمر وحقيقته ، فكره لهم التعمق .
و ( قوله : وما يعلم تأويله إلا الله ) أي : ما يعلم حقيقة ما أريد بالمتشابه إلا الله . والوقف على (الله) أولى .
و ( قوله : والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) جملة [ ص: 697 ] ابتدائية مستأنفة ، مقتضاها : أن حال الراسخين عند سماع المتشابه الإيمان والتسليم ، وتفويض علمه إلى الخبير العليم ، وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وغيره . وقيل : والراسخون : معطوف على الله تعالى ، حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، والأول أليق وأسلم .
و (قوله : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله ، فاحذروهم ") يعني : يتبعونه ويجمعونه طلبا للتشكيك في القرآن ، وإضلالا للعوام ، كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرآن ، أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما وقع في الكتاب والسنة مما يوهم ظاهره الجسمية ، حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم ، وصورة مصورة ذات وجه ، وعين ويد وجنب ، ورجل ، وإصبع ، تعالى الله عن ذلك ، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن سلوك طريقهم .
فأما القسم الأول ، فلا شك في كفرهم ، وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة .
وأما القسم الثاني ، فالصحيح القول بتكفيرهم ، إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور ، ويستتابون ؛ فإن تابوا وإلا قتلوا ، كما يفعل بمن ارتد .
فأما من يتبع المتشابه ، لا على تلك الجهتين ، فإن كان ذلك على إبداء تأويلاتها ، وإيضاح معانيها ، فذلك مختلف في جوازه بناء على الخلاف في جواز تأويلها ، وقد عرف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلاتها مع قطعهم باستحالة [ ص: 698 ] ظواهرها . ومذهب غيرهم : إبداء تأويلاتها ، وحملها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع متعين محمل منها . وأما من يتبع المتشابه على نحو ما فعل صبيغ ، فحكمه حكم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - فيه ، الأدب البليغ .