و (قوله : " قل : اللهم إني أسلمت وجهي إليك " ، وفي رواية : " نفسي " بدل : وجهي ") وكلاهما بمعنى : الذات والشخص . فكأنه قال : أسلمت ذاتي وشخصي . وقد قيل : إن معنى الوجه : القصد ، والعمل الصالح ، ولذلك جاء في رواية : " أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك " فجمع بينهما ، فدل ذلك على أنهما أمران متغايران كما قلناه . ومعنى أسلمت : سلمت ، واستسلمت ، أي : سلمتها لك ; إذ لا قدرة لي على تدبيرها ، ولا على جلب ما ينفعها ، ولا على دفع ما يضرها ، بل : أمرها إليك مسلم تفعل فيها ما تريد ، واستسلمت لما تفعل فيها ، فلا اعتراض على ما تفعل ، ولا معارضة .
و (قوله : " وفوضت أمري إليك ") أي : توكلت عليك في أمري كله ; لتكفيني همه ، وتتولى إصلاحه .
و (قوله : " وألجأت ظهري إليك ") أي : أسندته إليك لتقويه وتعينه على ما ينفعني ; لأن من استند إلى شيء تقوى به ، واستعان .
و (قوله : " رغبة ورهبة إليك ") أي : طمعا في رفدك وثوابك ، وخوفا منك ومن أليم عقابك .
قلت : هكذا قال الشيوخ في هذا الحديث ، وفيه نظر ; لأنه : إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرناها من التوحيد والتسليم ، والرضا إلى أن يموت على الفطرة ، كما يموت من قال : لا إله إلا الله ، ولم يخطر له شيء من تلك الأمور ، فأين فائدة تلك الكلمات العظيمة ، وتلك المقامات الشريفة ؟ فالجواب : أن كلا منهما - وإن مات على فطرة الإسلام - فبين الفطرتين ما بين الحالتين ، ففطرة الطائفة الأولى : فطرة المقربين والصديقين ، وفطرة الثانية : فطرة أصحاب اليمين .
و (قوله : " وإن أصبحت أصبت خيرا ") أي : صلاحا في ذلك وزيادة في أجرك وأعمالك .
و (قوله : قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت ") هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى ، وهو الصحيح من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وقد ذكرنا الخلاف فيه ، ولا [ ص: 40 ] شك في أن لفظ النبوة من النبأ ، وهو الخبر ، فالنبي في العرف : هو المنبأ من جهة الله تعالى لأمر يقتضي تكليفا ، فإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول ، وإلا فهو نبي غير رسول . وعلى هذا فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ; لأن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ ، وافترقا في أمر خاص وهو الرسالة ، فإذا قلت : محمد رسول الله ، تضمن ذلك أنه نبي رسول ، فلما اجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع بينهما في اللفظ حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وضع له ، وأيضا فليخرج عما يشبه تكرار اللفظ من غير فائدة ; لأنه إذا قال : ورسولك ، فقد فهم منه أنه أرسله ، فإذا قال : الذي أرسلت ، صار كالحشو الذي لا فائدة له ، بخلاف : نبيك الذي أرسلت ، فإنهما لا تكرار فيهما ، لا محققا ولا متوهما . والله تعالى أعلم .