إحداهما : أنا وإن قلنا : إن الذنوب تقع منهم ، غير أنهم يتوقعون وقوعها ، [ ص: 48 ] وأن ذلك ممكن ، وكانوا يتخوفون من وقوع الممكن المتوقع ، ويقدرونه واقعا فيتعوذون منه ، وعلى هذا فيكون قوله : " وكل ذلك عندي " أي : ممكن الوقوع عندي ، ودليل صحة ذلك أنهم مكلفون باجتناب المعاصي كلها كما كلفه غيرهم ، فلولا صحة إمكان الوقوع لما صح التكليف .
والثانية : أن هذه التعويذات ، وهذه الدعوات والتضرعات قيام بحق وظيفة العبودية ، واعتراف بحق الربوبية ، ليقتدي بهم مذنبو أممهم ، ويسلكوا مناهج سبلهم ، فتستجاب دعوتهم ، وتقبل توبتهم ، والله تعالى أعلم . وقد أطنب الناس في ذلك ، وما ذكرناه خلاصته .
و (قوله : " أنت المقدم وأنت المؤخر ") أي : المقدم لمن شئت بالتوبة والولاية والطاعة . والمؤخر لمن شئت بضد ذلك . والأولى : أنه تعالى مقدم كل مقدم في الدنيا والآخرة ، ومؤخر كل مؤخر في الدنيا والآخرة ، وهذان الاسمان من أسماء الله تعالى المزدوجة ، كالأول والآخر ، والمبدئ والمعيد ، والقابض والباسط ، والخافض والرافع ، والضار والنافع ، فهذه الأسماء لا تقال إلا مزدوجة ، كما جاءت في الكتاب والسنة . هكذا قال بعض العلماء ، ولم يجز أن يقال : يا خافض ، حتى يضم إليه : يا رافع .