(قوله : " لأنا أعلم بما مع الدجال منه ") هذا جواب قسم محذوف ; أي : والله لأنا أعلم ; أي : أن الدجال لا يعلم حقيقة ما معه من الجنة والنار ، ولا من النهرين ; أي أنه يظنهما كما يراهما غيره ، فيظن جنته جنة وماءه ماء ، وحقيقة الأمر على الخلاف من ذلك ، فيكون قد لبس عليه فيهما ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد علم حقيقة كل واحد منهما ، ولذلك بينه ، فقال : " ناره ماء بارد " . وفي اللفظ الآخر : " فجنته نار وناره جنة " وهذا الكلام رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة من قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الطريق ، وقد رواه من طريق أخرى موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة من قوله ، وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي بن خراش قال : اجتمع nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة وأبو مسعود ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : لأنا أعلم بما مع الدجال منه .
و (قوله : " رأي العين ") منصوب على الظرف ; أي : حين رأي العين ، أو في رأي العين ، ويصح أن يقال فيه : إنه مصدر صدره محذوف ، تقديره : تراه رأي العين . وكل ما يظهره الله على يدي الدجال من الخوارق للعادة محن امتحن الله بها عباده ، وابتلاء ابتلاهم به ، ليتميز أهل التنزيه والتوحيد بما يدل عليه العقل السديد [ ص: 274 ] من استحالة الإلهية على ذوي الأجسام ، وإن أتوا على دعواهم بأمثال تلك الطوام ، أو ليغتر أهل الجهل باعتقاد التجسيم ، حتى يوردهم ذلك نار الجحيم . وفتنة الدجال من نحو فتنة أهل المحشر بالصورة الهائلة التي تأتيهم فتقول لهم : أنا ربكم ، فيقول المؤمنون : نعوذ بالله منك ، كما تقدم في الإيمان . ومقتضى روايتي nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : أن معه نهرين وجنتين ، وأنهما مختلفتان في المعنى واللفظ لأن النهر لا يقال عليه جنة ، ولا الجنة يقال عليها نهر . هذا هو الظاهر ، ويحتمل أن يقال : إن ذينك النهرين في جنة ونار ، فحسن أن يعبر بأحدهما عن الآخر .
و (قوله : " فإما أدركن ذلك أحدكم ") كذا الرواية عند جميع الشيوخ ، والصواب : إسقاط النون ، لأنه فعل ماض ، وإنما تدخل هذه النون على الفعل المستقبل كقوله : فإما نذهبن بك [ الزخرف : 41 ] و فإما يأتينكم مني هدى [ البقرة : 38 ] ونحوه كثير .
و (قوله : " الدجال ممسوح العين عليها ظفرة غليظة ") هي بالظاء المعجمة والفاء ، وهما مفتوحتان ، وهي جلدة تغشي العين ، إن لم تقطع غشيت العين . ومعنى ممسوح العين ; أي : مطموس ضوؤها وإدراكها ، فلا يبصر بها شيئا .
و (قوله : " الدجال أعور العين اليسرى ") الأعور : هو الذي أصابه في عينه عور ، وهو العيب الذي يذهب إدراكها ، وهكذا صح في حديث nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة : " اليسرى " ، وقد صح من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=653184أنه أعور عينه اليمنى ، كأنها عنبة [ ص: 275 ] طافية ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي أيضا وصححه ، وهذا اختلاف يصعب الجمع فيه بينهما ، وقد تكلف القاضي أبو الفضل الجمع بينهما ، فقال : جمع الروايتين عندي صحيح ، وهو أن كل واحدة منهما عوراء من وجه ما ; إذ العور في كل شيء : العيب ، والكلمة العوراء : هي المعيبة . فالواحدة عوراء بالحقيقة ، وهي التي وصفت في الحديث بأنها ليست جحراء ، ولا ناتئة ، وممسوحة ومطموسة . وطافئة - على رواية الهمز - والأخرى عوراء لعيبها اللازم لها لكونها جاحظة ، أو كأنها كوكب ، أو كأنها عنبة طافية -بغير همز- وكل واحدة منهما يصح فيها الوصف بالعور بحقيقة العرف والاستعمال ، أو بمعنى العور الأصلي الذي هو العيب .
قلت : وحاصل كلامه : أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء . إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها ، والثانية عوراء بأصل خلقتها معيبة . لكن يبعد هذا التأويل : أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الروايات بمثل ما وصفت به الأخرى من العور ، فتأمله ، فإن تتبع تلك الألفاظ يطول .
و (قوله : " جفال الشعر ") أي : كثيره . قال ذو الرمة يصف شعر امرأة :
وأسود كالأساود مسبكرا على المتنين منسدلا جفالا
وشعر الدجال مع كثرته جعد قطط ، وهو الشديد الجعودة ، الذي لا يمتد إلا باليد ، كشعور السودان ، وفي القطط لغتان : الفتح والكسر في الطاء الأولى .