و (قوله : " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير ، فنفدت أزواد القوم ") المسير : السير ، يريد به السفر ، ونفدت : فرغت وفنيت ; ومنه قوله تعالى : لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي [ الكهف : 9 ] .
والحمائل جمع حمولة بفتح الحاء ; ومنه قوله تعالى حمولة وفرشا [ الأنعام : 142 ] ، وهي : الإبل التي تحمل عليها الأثقال ، وتسمى رواحل ; لأنها يرحل عليها ، وتسمى نواضح ; إذا استقي عليها .
والبعير ناضح ، والناقة ناضحة ; قاله أبو عبيد .
[ ص: 198 ] و (قوله : " وذو النواة بنواه " ) كذا الرواية ، ووجهه : وذو النوى بنواه ، كما قال : وذو البر ببره ، وذو التمر بتمره .
و (قوله : " حتى ملأ القوم أزودتهم ") هكذا الرواية ، وصوابه : مزاودهم ; فإنها هي التي تملأ بالأزودة ، وهي جمع زاد ، فسمى المزاود أزودة باسمها ; لأنها تجعل فيها على عادتهم في تسميتهم الشيء باسم الشيء إذا جاوره ، أو كان منه بسبب ، وقد عبر عنها في الرواية الأخرى بالأوعية .
و (قوله : " حتى هم بنحر بعض حمائلهم ") يعني : النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان هذا الهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم النظر المصلحي لا بالوحي ; ألا ترى كيف عرض nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب عليه مصلحة أخرى ، ظهر للنبي - صلى الله عليه وسلم - رجحانها ; فوافقه عليها وعمل بها .
ففيه : دليل على العمل بالصالح ، وعلى سماع رأي أهل العقل والتجارب ، وعلى أن الأزواد والمياه إذا نفدت أو قلت ، جمع الإمام ما بقي منها ، وقوتهم به شرعا سواء ; وهذا كنحو ما مدح به النبي - صلى الله عليه وسلم - الأشعريين ، فقال : الأشعريون إذا قل زادهم ، جمعوه ، فاقتسموه بينهم بالسوية ، فهم مني وأنا منهم ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .
و (قوله : " لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما ، فيحجب عن الجنة ") يعني : كلمتي التوحيد المتقدمتين . ويحجب : يمنع ، ورويناه بفتح الباء ورفعها ، فالنصب [ ص: 199 ] بإضمار أن بعد الفاء في جواب النفي ، وهو الأظهر والأجود ، وفي الرفع إشكال ; لأنه يرتفع على أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : فهو يحجب ، وهو نقيض المقصود ، فلا يستقيم المعنى حتى تقدر " لا " النافية ، أي : فهو لا يحجب ، ولا تحذف " لا " النافية في مثل هذا ، والله أعلم .
[ ص: 200 ] أحدهما : أن هذا العموم يراد به الخصوص ممن يعفو الله تعالى عنه من أهل الكبائر ممن يشاء الله تعالى أن يغفر له ابتداء من غير توبة كانت منهم ، ولا سبب يقتضي ذلك غير محض كرم الله تعالى وفضله ; كما دل عليه قوله تعالى : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ النساء : 48 ] . وهذا على مذهب أهل السنة والجماعة ; خلافا للمبتدعة المانعين تفضل الله تعالى بذلك ، وهو مذهب مردود بالأدلة القطعية العقلية والنقلية ، وبسط ذلك في علم الكلام .
وثانيهما : أنهم لا يحجبون عن الجنة بعد الخروج من النار ، وتكون فائدته الإخبار بخلود كل من دخل الجنة فيها ، وأنه لا يحجب عنها ، ولا عن شيء من نعيمها ، والله تعالى أعلم .