[ ص: 292 ] و (قوله : " إنهم يقولون : إن معه الطعام والأنهار ، هو أهون على الله من ذلك ") أي : الدجال ، على الله أهون أن يجعل ما يخلقه على يديه من الخوارق مضلا للمؤمنين ومشككا لهم ، بل ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، وليرتاب الذين في قلوبهم مرض والكافرون ، كما قال له الذي قتله ثم أحياه ، ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن ، وقد تضمنت تلك الأحاديث المتقدمة أن عيسى -عليه السلام - ينزل ويقتل الدجال ، وهو مذهب أهل السنة ، والذي دل عليه قوله تعالى : بل رفعه الله إليه [ النساء : 158 ] والأحاديث الكثيرة الصحيحة المنتشرة . وليس في العقل ما يحيل ذلك ولا يرده ، فيجب الإيمان به والتصديق بكل ذلك ، ولا يبالى بمن خالف في ذلك من المبتدعة ، ولا حجة لهم في اعتمادهم في نفي ذلك على التمسك بقوله : وخاتم النبيين [ الأحزاب : 40 ] وبما ورد في السنة من أنه لا نبي بعده ، ولا رسول ، ولا بإجماع المسلمين على ذلك ، ولا على أن شرعنا لا ينسخ . وهذا ثابت إلى يوم القيامة ; لأنا نقول بموجب ذلك كله ; لأن عيسى - عليه السلام - إنما ينزل لقتل الدجال ، ولإحياء شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وليعمل بأحكامها ، وليقيم العدل على مقتضاها ، وليقهر الكفار ، وليظهر للنصارى ضلالتهم ، ويتبرأ من إفكهم ، فيقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويضع الجزية ، ويأتم بإمام هذه الأمة ، كما تقدم في كتاب الإيمان .
[ ص: 293 ] والحاصل : أنه لم يأت برسالة مستأنفة ، ولا شريعة مبتدأة ، وإنما يأتي عاضدا لهذه الشريعة ، وملتزما أحكامها ، غير مغير لشيء منها ، والمنفي بالأدلة السابقة إنما هو رسول يزعم أنه قد جاء بشرع مبتدأ ، أو برسالة مستأنفة ، فمن ادعى ذلك كان كاذبا ، كافرا قطعا .