(قوله : " تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها ") السدر هنا : هو الغاسول المعروف ، وهو المتخذ من ورق شجر النبق ، وهو السدر ، وهذا التطهر الذي أمر باستعمال السدر فيه ، هو لإزالة ما عليها من نجاسة الحيض ، والغسل الثاني هو للحيض .
و (قوله : " فتدلكه دلكا شديدا ") حجة لمن رأى التدليك . فإن قيل : إنما أمر بهذا في الرأس ليعم جميع الشعر ، قلنا : وكذلك يقال في جميع البدن . فإن قيل : لو كان حكم جميع البدن حكم الرأس في هذا لبينه فيه كما بينه في الرأس ، قلنا : لا يحتاج إلى ذلك ، وقد بينه في عضو واحد . وقد فهم عنه : أن الأعضاء كلها في حكم العضو الواحد في عموم الغسل ، وإجادته وإسباغه ، فاكتفى بذلك ، والله تعالى أعلم .
و " الشؤون " : هو أصل فرق الرأس وملتقاها ، ومنها تجيء الدموع . وذكرها مبالغة في شدة الدلك ، وإيصال الماء إلى ما يخفى من الرأس .
و (قوله : " ثم تأخذ فرصة ممسكة أو من مسك ") الفرصة : صحيح الرواية [ ص: 589 ] فيها بكسر الفاء وفتح الصاد المهملة ، وهي القطعة من الشيء ، وهي مأخوذة من الفرص ، وهو : القطع ، والمفرص والمفراص : الذي تقطع به الفضة ، وقد يكون الفرص الشق . يقال : فرصت النعل ; أي : شققت أذنيها .
وأما " ممسكة " : فروايتنا فيها بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد السين ، ومعناه : مطيبة بالمسك ، مبالغة في نفي ما يكره من ريح الدم ، وعلى هذا تصح رواية nindex.php?page=showalam&ids=14222الخشني عن nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : " فرصة من مسك " بكسر الميم ، وعلى هذا الذي ذكرناه أكثر الشارحين ، وقد أنكر nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة هذا كله ، وقال : إنما هو " فرضة " بضم الفاء وبالضاد المعجمة ، وقال : لم يكن للقوم وسع في المال بحيث يستعملون الطيب في مثل هذا ، وإنما هو مسك ، بفتح الميم ، ومعناه : الإمساك ، فإن قالوا : إنما سمع رباعيا ، والمصدر إمساك ، قيل : سمع أيضا ثلاثيا ، فيكون مصدره مسكا .
قال الشيخ : لقد أحسن من قال في nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : هجوم ولاج على ما لا يحسن ، ها هو قد أنكر ما صح من الرواية في فرصة ، وجهل ما صحح نقله أئمة اللغة ، واختار ما لا يلتئم الكلام معه ، فإنه لا يصح أن يقال : خذ قطعة من إمساك ، وسوى بين الصحابة كلهم في الفقر وسوء الحال ، بحيث لا يقدرون على استعمال مسك عند التطهر والتنظف ، مع أن المعلوم من أحوال أهل الحجاز واليمن مبالغتهم في استعمال الطيب من المسك وغيره ، وإكثارهم من ذلك ، واعتيادهم له ، فلا يلتفت لإنكاره ، ولا يعرج على قوله .
[ ص: 590 ] وأما " فرصة من مسك " فالمشهور فيه أنه بفتح الميم ، ويراد به الجلد ; أي : قطعة منه . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : تقديره : قطعة من جلد عليها صوف ، وقال أبو الحسن بن سراج : في " ممسكة " مجلدة ; أي : قطعة صوف لها جلد ، وهو المسك ليكون أضبط لها ، وأمكن لمسح أثر الدم به ، قال : وهذا مثل قوله : " فرصة مسك " .
وقال القتبي : معنى " ممسكة " : محتملة يحتشى بها ; أي : خذي قطعة من صوف أو قطن فاحتمليها وامسكيها لتدفع الدم ، وأظنه أنه قال لها : " ممسكة " بضم الأولى وتسكين الثانية وتخفيف السين مفتوحة ، وقيل فيها : " ممسكة " بكسر السين ، اسم فاعل من أمسك ، كما قال في الحديث الآخر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=677127أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم ") أي : القطن . والأقرب والأليق القول الأول ، والله أعلم .