[ ص: 204 ] (11) ومن باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لا بد من استيقان القلب
هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين : إن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان ، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده ، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ، ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق ، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح ، وهو باطل قطعا .
و (قوله : " وخشينا أن يقتطع دوننا ") أي : يحال بيننا وبينه بأخذ أو هلاك .
و (قوله : " ففزعنا وقمنا ") أي : تركنا ما كنا فيه ، وأقبلنا على طلبه ; من قولهم : فزعت إلى كذا : إذا أقبلت عليه ، وتفرغت له ; ومنه قول الشاعر :
فزعت إليكم من بلايا تنوبني فألفيتكم منها كريما ممجدا
وقد دل على ذلك قوله : فكنت أول من فزع ، أي : أول من أخذ في طلبه ، وليس هو من الفزع الذي هو الذعر والخوف ; لأنه قد قال قبل هذا : فخشينا أن [ ص: 205 ] يقتطع دوننا ، ثم رتب فزعنا عليه بفاء التعقيب المشعرة بالتسبب ، والفزع : لفظ مشترك ينطلق على ذينك المعنيين ، وعلى الإغاثة .
و (قوله : " فاحتفزت كما يحتفز الثعلب ") رواه عامة الشيوخ في المواضع الثلاثة بالراء من الحفر ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=14012الجلودي : بالزاي ; وكأنه الصواب ، ويعني به : أنه تضامم وتصاغر ليسعه الجدول ، ومنه حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي : إذا صلت المرأة ، فلتحتفز ، أي : لتضام وتنزو إذا سجدت .
و (قوله : " كنت بين أظهرنا ") أي : بيننا ، ورواه الفارسي : ظهرينا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : العرب تقول : بين ظهريكم وظهرانيكم ; قال nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : أي : بينكم .
و (قوله : " وهؤلاء الناس من ورائي ") يعني به : النفر الذين كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقام عنهم ، وأخذوا في طلبه ، وهم المعنيون للنبي - صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا - بقوله : فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه ، فبشره بالجنة ; فإنه قيده بقوله : من لقيت من وراء هذا الحائط ، ولا شك في أن أولئك هم من [ ص: 206 ] أهل الجنة ، وهذا ظاهر اللفظ . ويحتمل أن يقال : إن ذلك القيد ملغى ، والمراد : هم وكل من شاركهم في التلفظ بالشهادتين واستيقان القلب بهما ; وحينئذ : يرجع إلى التأصيل والتفصيل الذي ذكرناه في الباب قبل هذا .
وفي دفع النبي - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=3لأبي هريرة بنعليه : دليل على جواز عضد المخبر الواحد بالقرائن ; تقوية لخبره وإن كان لا يتهم . وفيه اعتبار القرائن والعلامات ، والعمل على ما يقتضيه من الأعمال والأحكام .
واليقين : هو العلم الراسخ في القلب الثابت فيه ، يقال منه : يقنت الأمر ، بالكسر ، معناه أيقنت واستيقنت وتيقنت ، كله بمعنى واحد ، وربما عبروا عن الظن باليقين ، وباليقين عن الظن ; قال الشاعر :
تحسب هواس وأيقن أنني بها مفتد من واحد لا أغامره
يقول : تشمم الأسد ناقتي يظن أنني أفتدي بها منه وأتركها له ولا أقاتله ، قاله الجوهري .
وقال غيره : اليقين هو السكون مع الوضوح ; يقال : يقن الماء ، أي : سكن وظهر ما تحته .
و (قوله : " وركبني عمر ") أي : اتبعني في الحال من غير تربص ، وضرب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر [ ص: 207 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة حتى سقط لم يكن ليؤذيه ويوقعه ، لكن إنما كان ليوقفه ويمنعه من النهوض بالبشرى حتى يراجع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن ذلك من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر اعتراضا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا ردا لأمره ، وإنما كان ذلك سعيا في استكشاف عن مصلحة ظهرت له ، لم يعارض بها حكما ولا شرعا ; إذ ليس فيما أمره به إلا تطييب قلوب أصحابه أو أمته بتلك البشرى ، فرأى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن السكوت عن تلك البشرى أصلح لهم ; لئلا يتكلوا على ذلك ، فتقل أعمالهم وأجورهم .
ولعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قد كان سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سمعه nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ على ما يأتي في حديثه ، فيكون ذلك تذكيرا للنبي - صلى الله عليه وسلم - بما قد سمع منه ، ويكون سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك تعديلا على ما قد كان تعذر لهم تبيانه لذلك ، ويكون nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لما خصه الله تعالى به من الفطنة وحضور الذهن تذكر ذلك . واستبلد nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة ; إذ لم يتفطن لذلك ولا تذكره ، فضربه تلك الضربة ; تأديبا وتذكيرا ، والله تعالى أعلم .
و (قوله : " فخررت لاستي ") أي : على استي ; كما قال تعالى : يخرون للأذقان [ الإسراء : 107 ] أي : عليها ، وكأنه وكزه في صدره فوقع على استه ، وليس قول من قال : خر على وجهه بشيء .
[ ص: 208 ] و (قوله : " أجهشت بكاء ") أي : تهيأت له وأخذت فيه ; قال أبو عبيد : الجهش : أن يفزع الإنسان إلى الإنسان مريدا للبكاء ; كالصبي يفزع لأمه ، فقال : جهشت ، وأجهشت : لغتان ، وقال أبو زيد : جهشت للبكاء والحزن والشوق جهوشا .