[ ص: 210 ] (12) ومن باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته
(قوله : " ذاق طعم الإيمان ") أي : وجد حلاوته ، كما قال في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : ثلاث من كن فيه ، وجد بهن حلاوة الإيمان ، وهي عبارة عما يجده المؤمن المحقق في إيمانه ، المطمئن قلبه به ; من انشراح صدره ، وتنويره بمعرفة الله تعالى ، ومعرفة رسوله ، ومعرفة منة الله تعالى عليه : في أن أنعم عليه بالإسلام ، ونظمه في سلك أمة محمد خير الأنام ، وحبب إليه الإيمان والمؤمنين ، وبغض إليه الكفر والكافرين ، وأنجاه من قبيح أفعالهم ، وركاكة أحوالهم .
وعند مطالعة هذه المنن ، والوقوف على تفاصيل تلك النعم ، تطير القلوب فرحا وسرورا ، وتمتلئ إشراقا ونورا ، فيا لها من حلاوة ما ألذها ، وحالة ما أشرفها!! فنسأله - الله - تعالى أن يمن بدوامها وكمالها ، كما من بابتدائها وحصولها ; فإن المؤمن عند تذكر تلك النعم والمنن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة ; غير أن المؤمنين في تمكنها ودوامها متفاوتون ، وما منهم إلا وله منها شرب معلوم ، وذلك بحسب ما قسم لهم من هذه المجاهدة الرياضية ، والمنح الربانية ، وللكلام في تفاصيل ما أجملناه مقام آخر .
و (قوله : " من رضي بالله ربا . . . ") الحديث ; الرضا بهذه الأمور الثلاثة على قسمين :
رضا عام : وهو ألا يتخذ غير الله ربا ، ولا غير دين الإسلام دينا ، ولا غير محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا ; وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم ; إذ لا يصح التدين بدين الإسلام إلا بذلك الرضا .
[ ص: 211 ] والرضا الخاص : هو الذي تكلم فيه أرباب القلوب ، وهو ينقسم على قسمين : رضا بهذه الأمور ، ورضا عن مجريها تعالى ; كما قال أبو عبد الله بن خفيف : الرضا قسمان : رضا به ، ورضا عنه ; فالرضا به مدبرا ، والرضا عنه فيما قضى ، وقال أيضا : هو سكون القلب إلى أحكام الرب ، وموافقته على ما رضي واختار ، وقال الجنيد : الرضا رفع الاختيار ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15166المحاسبي : هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12092أبو علي الروذباري : ليس الرضا ألا يحس بالبلاء ، إنما الرضا ألا يعترض على الحكم .
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : وما ذكره هؤلاء المشايخ هو مبدأ الرضا عندهم ، وقد ينتهي الرضا إلى ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=15437النوري : هو سرور القلب بمر القضاء ، وسئلت رابعة عن الرضا ؟ فقالت : إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة .
وقد غلا بعضهم وهو nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني ، فقال : أرجو أن أكون عرفت طرفا من الرضا ، لو أنه أدخلني النار ، لكنت به راضيا . وقال رويم : الرضا هو : لو جعل جهنم عن يمينه ، ما سأل أن يحول عن شماله .
قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : وهذا غلو ، وفيه إشكال ، والكلام فيه يخرج عن مقصود كتابنا . وعلى الجملة : فالرضا باب الله الأعظم ، وفيه جماع الخير كله ; كما قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=110لأبي موسى فيما كتب إليه : أما بعد ! فإن الخير كله في الرضا ; فإن استطعت أن ترضى ، وإلا فاصبر .