قوله " أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ! فكيف نصلي عليك ؟ " ، هذا سؤال من أشكل عليه كيفية ما فهم جملته ، وذلك أنه عرف الصلاة وتحققها من لسانه إلا أنه لم يعرف كيفيتها ، فأجيب بذلك . وفي قوله " أمرنا " دليل على أن المندوب يدخل تحت الأمر ، وقد تقدم اشتقاق الصلاة ، وهي منا دعاء ومن الله تعالى رحمة ومن الملائكة ثناء ، وقد قيل : إن صلاة الله على نبيه هي ثناؤه عليه عند ملائكته .
وقوله " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد " ، اختلف في آله من هم ؟ فقيل أتباعه ، وقيل أمته ، وقيل آل بيته ، وقيل أتباعه من رهطه وعشيرته ، وقيل آل الرجل نفسه ; ولهذا كان الحسن يقول : اللهم صل على آل محمد . واختلف النحويون : هل يضاف الآل إلى المضمر أم لا يضاف إلا إلى الظاهر ؟ فذهب النحاس والزبيدي والكسائي إلى أنه لا يقال إلا : اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا يقال : وآله. قالوا : والصواب وأهله . وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك يقال - منهم ابن السيد ، وهو الصواب ; لأن السماع الصحيح يعضده ، فإنه قد جاء في قول عبد المطلب :
[ ص: 41 ]
لا هم إن العبد يمـ نـــع رحله فامنع حلالك وانصر على آل الصليـ ــب وعابديه اليوم آلك
وقال قدامة :
أنا الفارس الحامي حقيقة والدي وآلي كما تحمي حقيقة آلكا
وغير ذلك من كلام العرب ، وهو كثير .
وقوله " وبارك " من البركة ، وهي هنا الزيادة من الخير والكرامة ، وأصلها من البروك وهو الثبوت على الشيء ، ومنه : بركت الإبل . ويجوز أن تكون البركة هنا بمعنى التطهير والتزكية ; كما قال تعالى : رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت [ هود :73 ] ثم اختلف أرباب المعاني في فائدة قوله " كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم " على تأويلات كثيرة ، أظهرها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ذلك لنفسه وأهل بيته لتتم النعمة عليهم والبركة ، كما أتمها على إبراهيم وآله . وقيل : بل سأل ذلك لأمته ليثابوا على ذلك ، وقيل : ليبقى له ذلك دائما إلى يوم الدين ، ويجعل له به لسان صدق في الآخرين ; كما جعله لإبراهيم . وقيل : كان ذلك قبل أن يعرف - عليه الصلاة والسلام - بأنه أفضل ولد آدم . وقيل : بل سأل أن يصلي عليه صلاة يتخذه بها خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، وقد أجابه الله واتخذه خليلا ; كما جاء في الصحيح : nindex.php?page=hadith&LINKID=653383لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر [ ص: 42 ] خليلا ، ولكن صاحبكم خليل الرحمن . وقد جاء أنه حبيب الرحمن - ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، فهو الخليل وهو الحبيب . وقد اختلف العلماء أيهما أشرف ؟ أو هما سواء ؟ واختلف هل يدعى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغير الصلاة والسلام ، فيقال مثلا : اللهم ارحم محمدا أو اغفر لمحمد ؟ أو لا يقال ذلك ؟ فذهب nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر إلى منع ذلك. وأجاز ذلك أبو محمد بن أبي زيد ، والصحيح جوازه ، فقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة . واختلف : هل يصلى على غير الأنبياء ، فيقال : اللهم صل على فلان ؟ فكره ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; لأنه لم يكن من عمل من مضى ، بل ذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رواية شاذة أنه لا يصلى على أحد من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي متأولة عليه بأنا لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء . وذهبت طائفة إلى جواز ذلك على المؤمنين ; لقوله تعالى : هو الذي يصلي عليكم [ الأحزاب :43 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=651402اللهم صل على آل أبي أوفى . وانفصل الفريق الآخر بأن هذا صدر من الله ورسوله ، ولهما أن يقولا ما أرادا بخلاف غيرهما الذي هو محكوم عليه . والذي أراه ما صار إليه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ; لقوله تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا [ النور :63 ] وينضاف إلى ذلك أن أهل البدع قد اتخذوا ذلك شعارا في الدعاء لأئمتهم وأمرائهم ، ولا يجوز التشبه بأهل البدع ، والله تعالى أعلم .
وقوله " والسلام كما قد علمتم " رويناه مبنيا للفاعل وللمفعول ، فالفاعل : هم العالمون ، وللمفعول هم المفلحون من جهته - صلى الله عليه وسلم - بالتشهد وغيره ، ويعني بذلك : قوله في التشهد " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .