وقوله : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ... الحديث . اللهم هي : الله ، زيدت عليها الميم عوضا من حرف النداء ، ولذلك لا يجمع بينهما إلا في الشاذ ; في قوله :
وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت : يا اللهما
هذا قول جمهور النحويين . وقد قيل : معنى اللهم : يا الله ! آمنا بخير ، فأبدل من همزة آمنا ميما ، وأدغمت في ميم آمنا ، وهذا الحكم لا يشهد له دليل ولا صحيح تعليل .
قال القاضي - رحمه الله - : وسخطه ، ومعافاته ، وعقوبته من صفات أفعاله ، فاستعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب ، ومن الشر إلى الخير .
قال الشيخ - رحمه الله - : ثم ترقى عن الأفعال إلى منشئ الأفعال ، فقال : وبك منك [ ص: 90 ] مشاهدة للحق ، وغيبة عن الخلق . وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قول ، ولا تضبطه صفة .
وقوله : لا أحصي ثناء عليك ; أي : لا أطيقه ; أي : لا أنتهي إلى غايته ، ولا أحيط بمعرفته ; كما قال - صلى الله عليه وسلم - مخبرا عن حاله في المقام المحمود حين يخر تحت العرش للسجود ، قال : فأحمده بمحامد لا أقدر عليها ، إلا أن يلهمنيها الله . وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك ، وإن اجتهدت في ذلك . والأول أولى لما ذكرناه ; ولما جاء في نص الحديث نفسه : أنت كما أثنيت على نفسك . ومعنى ذلك : اعتراف بالعجز عن أداء وفهم ما يريده الله من الثناء على نفسه وبيان صمديته ، وقدوسيته ، وعظمته ، وكبريائه ، وجبروته ما لا ينتهى إلى عده ، ولا يوصل إلى حده ، ولا يحصله عقل ، ولا يحيط به فكر . وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام ; ولذلك قال الصديق الأكبر : العجز عن درك الإدراك إدراك . وقال بعض العارفين في تسبيحه : سبحان من رضي في معرفته بالعجز عن معرفته .