المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
56 [ 33 ] وعن عبد الله بن عمرو ; أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الإسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف .

وفي أخرى : أي المسلمين خير ؟ قال : من سلم المسلمون من لسانه ويده . رواه البخاري ( 12 ) ، ومسلم ( 39 ) ، وأبو داود ( 5194 ) ، والنسائي ( 8 \ 107 ) ، وابن ماجه ( 3253 ) .


و (قوله : " أي المسلمين خير ") أي : أي خصالهم أفضل ؟ بدليل جوابه بقوله : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ، وكأنه - عليه الصلاة والسلام - فهم عن هذا السائل أنه يسأل عن أفضل خصال المسلمين المتعدية النفع إلى الغير ، فأجابه بأعم ذلك وأنفعه في حقه ; فإنه - عليه الصلاة والسلام - كان يجيب كل سائل على حسب ما يفهم منه ، وبما هو الأهم في حقه والأنفع له .

و (قوله - عليه الصلاة والسلام - : " وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ") قال أبو حاتم : تقول : قرأ عليه السلام وأقرأه الكتاب ، ولا تقول : أقرأه السلام إلا في لغة سوء ، إلا أن يكون مكتوبا فتقول : أقرئه السلام ، أي : اجعله يقرؤه . وجمع له بين الإطعام والإفشاء ; لاجتماعهما في استلزام المحبة الدينية ، والألفة الإسلامية ; كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم .

وفيه : دليل على أن السلام لا يقصر [ ص: 223 ] على من يعرف ، بل على المسلمين كافة ; لأنه كما قال - عليه الصلاة والسلام - : السلام شعار لملتنا ، وأمان لذمتنا . ورد السلام أوكد من ابتدائه ، وسيأتي القول فيه ، إن شاء الله تعالى .

و (قوله : " أي المسلمين خير ؟ فقال : من سلم المسلمون من لسانه ويده ") هذا السؤال غير السؤال الأول وإن اتحد لفظهما ; بدليل افتراق الجواب ، وكأنه - عليه الصلاة والسلام - فهم عن هذا السائل أنه إنما سأل عن أحق المسلمين باسم الخيرية وبالأفضلية ، وفهم عن الأول أنه سأل عن أحق خصال الإسلام بالأفضلية ، فأجاب كلا منهما بما يليق بسؤاله ، والله تعالى أعلم ، وهذا أولى من أن تقول : الخبران واحد ، وإنما بعض الرواة تسامح ; لأن هذا التقدير يرفع الثقة بأخبار الأئمة الحفاظ العدول ، مع وجود مندوحة عن ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية