قد تقدم القول في : الشطر في الطهارة . وأحاديث تحويل القبلة من الشام - من بيت المقدس - فيها مسائل أصولية :
المسألة الأولى : نسخ السنة بالقرآن ، أجازه الجمهور ، ومنعه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهذه الأحاديث حجة عليه . وكذلك قوله تعالى : فلا ترجعوهن إلى الكفار [ الممتحنة :10 ] ; نسخ لما قرره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العهد والصلح على رد كل من أسلم من الرجال والنساء من أهل مكة ، وغير ذلك .
المسألة الثانية : رفع القاطع بخبر الواحد ; وذلك أن استقبال بيت المقدس كان مقطوعا به من الشريعة عندهم ، ثم إن أهل قباء لما أتاهم الآتي فأخبرهم أن القبلة قد حولت إلى المسجد الحرام قبلوا قوله ، واستداروا نحو الكعبة ، فتركوا التواتر بخبر الواحد ، وهو مظنون . وقد اختلف العلماء في جوازه عقلا ووقوعه ; قال أبو حامد : والمختار : جواز ذلك عقلا لو تعبدنا الشرع به ، ووقوعه في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدليل قصة قباء ، وبدليل أنه كان - عليه الصلاة والسلام - ينفذ آحاد الولاة إلى الأطراف ، وكانوا يبلغون الناسخ والمنسوخ جميعا ، لكن ذلك ممنوع بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - بدليل الإجماع من الصحابة على أن القرآن المتواتر المعلوم لا يرتفع بخبر الواحد ، فلا ذاهب إلى تجويزه من السلف والخلف ، وبسط ذلك في الأصول .
[ ص: 126 ] المسألة الثالثة : وهي أن النسخ إذا وجد من الشارع ، فهل يكون نسخا في حق من لم يبلغه الناسخ ؟ أو لا يكون نسخا في حقه حتى يبلغه ؟ اختلف فيه على قولين ، وفائدة الخلاف في هذه المسألة في عبادات فعلت بعد النسخ ، وقبل البلاغ : هل تعاد أو لا ؟ فإن قلنا بالأول ، أعادها ; إذ لم تكن عبادة في نفسها ، وقد نسخت . وإن تنزلنا على الثاني لم يعد ; إذ هو مخاطب بفعل ما قد تقرر الأمر به ، وهو الأولى . وقد رد إلى هذه المسألة مسألة الوكيل إذا تصرف بعد العزل وقبل العلم به ، فهل يمضي تصرفه أو لا ؟ قولان . وقد فرق nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض بين مسألة النسخ ومسألة الوكيل : بأن مسألة الوكيل تعلق بها حق الغير على الموكل ، فلهذا توجه الخلاف فيها . ولم يختلف المذهب عندنا في أحكام من أعتق ولم يعلم بعتقه : أنها أحكام حر فيما بينه وبين الناس ، فأما ما بينه وبين الله فجائزة . ولم يختلفوا في المعتقة أنها لا تعيد ما صلت - بعد عتقها وقبل علمها بغير ستر . وإنما اختلفوا فيمن يطرأ عليه موجب يغير حكم عبادة وهو فيها ; بناء على هذه المسألة .
المسألة الرابعة : قبول خبر الواحد ، وهو مجمع عليه من السلف ، معلوم بالتواتر من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في توجهه ولاته ورسله آحادا للآفاق ليعلموا الناس دينهم ، ويبلغوهم سنة رسولهم ; من الأوامر والنواهي ، والمخالف في ذلك معاند ، أو ناقص الفطرة .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=48البراء : صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - أو سبعة عشر شهرا- . الصحيح : سبعة عشر ; من غير شك . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12563وابن إسحاق . ويروى : ثمانية عشر شهرا . وبعد سنتين . وبعد تسعة أشهر ، أو عشرة أشهر ، والصحيح ما ذكرناه أولا .