[ ص: 260 ] (71) ومن باب : المحافظة على الصبح والعصر
قوله : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار " ، وهذه الواو في يتعاقبون فيكم علامة للفاعل المذكر المجموع ، وهي لغة بني الحارث ; وهي أنهم يلحقون علامة للفاعل المثنى والمجموع ، وهم القائلون : أكلوني البراغيث ، وهي لغة معروفة فاشية ، وعليه حمل nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش قوله تعالى : وأسروا النجوى الذين ظلموا [ الأنبياء :3 ] ومن هذا قول الشاعر :
ولكن ديافي أبوه وأمه بحوران يعصرن السليط أقاربه
[ ص: 261 ] وقد تعسف بعض النحويين في تأويلها وردوها للبدل ، وهو تكلف مستغنى عنه ، مع أن تلك اللغة مشهورة ، لها وجه من القياس واضح يعرف في موضعه . ومعنى التعاقب : إتيان طائفة بعد أخرى ، فكأن الثانية تأتي عقيب الأولى . وهؤلاء الملائكة : إن كانوا هم الحفظة ، فسؤال الله لهم بقوله : " كيف تركتم عبادي ؟ " إنما هو سؤال عما أمرهم به من حفظهم لأعمالهم وكتبهم إياها عليهم . وعلى أنهم هم الحفظة ; مذهب الجمهور ، وإن كانوا غيرهم - وهو الأظهر عندي - ، فسؤاله تعالى لهم : إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال : أتجعل فيها من يفسد فيها [ البقرة : 30 ] وإظهارا لما سبق في معلومه إذ قال لهم : إني أعلم ما لا تعلمون [ البقرة : 30 ] وهذه حكمة اجتماعهم في صلاة الفجر والعصر ، والله تعالى أعلم . أو يكون سؤاله لهم استدعاء لشهادتهم لهم ; ولذلك قالوا : أتيناهم وهم يصلون ، وتركناهم وهم يصلون . وهذا من خفي لطفه تبارك وتعالى ، وجميل ستره ; إذ أطلعهم بكرمه عليهم حالة عباداتهم ، ولم يطلعهم عليهم ولا جمعهم لهم في حال خلواتهم بلذاتهم وانهماكهم في معاصيهم وشهواتهم ، فسبحانه من حليم كريم جليل ; إذ ستر القبيح وأظهر الجميل . وقد تقدم الكلام على رؤية الله تعالى ، وعلى قوله : لا تضامون .