اختلف الناس في
تقدير دلالة الاستثناء على مذاهب ، فعندنا وعند الأكثرين أن إلا قرينة مخصصة ، ومنشأ الخلاف : الإشكال في معقولية الاستثناء ، فإنك إذا قلت : قام القوم إلا زيدا .
فإن لم يكن زيد دخل فيهم ، فكيف أخرج هذا ؟ وقد اتفق أهل العربية على أنه إخراج وإن كان دخل ، فقد تناقض أول الكلام وآخره ، وكذا نحو قوله : علي عشرة إلا درهما ، بل أبلغ ، لأن العدد نص في مدلوله العام فيه والعام : فيه الخلاف السابق ، وذلك يؤدي إلى نفي الاستثناء من كلام
العرب ، لأنه كذب على هذا التقدير في أحد الطرفين ، ولكن قد وقع في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فتكون " إلا " قرينة بينت أن الكل استعمل ، وأريد به الجزء مجازا ، وعلى هذا : فالاستثناء مبين لغرض المتكلم به بالمستثنى منه ، فإذا قال : له علي . عشرة ، كان ظاهرا ، ويحتمل
[ ص: 394 ] إرادة بعضها مجازا ، فإذا قال : إلا ثلاثة ، فقد تبين أن مراده بالعشرة سبعة فقط ، كما في سائر المخصصات . قال
ابن مفلح : الاستثناء إخراج ما تناوله المستثنى منه ، ليبين أنه لم يرد به ، كالتخصيص عند
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي وغيره . وفي التمهيد : ما لولاه لدخل في اللفظ كالتخصيص ، ومراده الأول . واستنكر
أبو المعالي هذا المذهب ، وقال : لا يعتقده لبيب . والمذهب الثاني - وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12604الباقلاني - : إن نحو عشرة إلا ثلاثة مدلوله سبعة ، لكن له لفظان ، أحدهما مركب ، وهو عشرة إلا ثلاثة ، واللفظ الآخر سبعة ، وقصد بذلك أن يفرق بين التخصيص بدليل متصل ، فيكون الباقي فيه حقيقة ، أو بمنفصل ، فيكون تناول اللفظ للباقي مجازا . وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أن الاستثناء إخراج لشيء دل عليه صدر الجملة بالمعارضة ، فمعنى عشرة إلا ثلاثة فإنها ليست علي . والمذهب الثالث - واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب وغيره - : أن المراد بالعشرة عشرة باعتبار أفراده ، ولكن لا يحكم بما أسند إليها إلا بعد إخراج الثلاثة منها ، ففي اللفظ أسند الحكم إلى عشرة . وفي المعنى إلى سبعة . وعلى هذا : فليس الاستثناء مبينا للمراد الأول ، بل به وبما يحصل الإخراج ، وليس هناك إلا الإثبات ، ولا نفي أصلا ، فلا تناقض .
فالاستثناء على قول
nindex.php?page=showalam&ids=12604الباقلاني ليس بتخصيص ، لأن التخصيص قصر العام على بعض أفراده ، وهنا لم يرد بالعام بعض أفراده ، بل المجموع المركب ، وأنه على قول الأكثرين تخصيص لما فيه من قصر اللفظ على بعض مسمياته . وأما على المذهب الثالث : فيحتمل أن يكون تخصيصا ، نظرا إلى كون الحكم في الظاهر للعام ، والمراد المخصوص ، ويحتمل أن لا يكون تخصيصا ; نظرا إلى أنه أريد بالمستثنى منه تمام مسماه