( و )
يحصل البيان أيضا ( بإقرار على فعل ) أي إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على فعل بعض أمته . لأنه دليل مستقل ، فصح أن يكون بيانا لغيره كغيره من الأدلة ( وكل مقيد من ) جهة ( الشرع بيان ) وهذه قاعدة كلية فيما يحصل به البيان ، تتناول ما سبق وما يأتي بعد إن شاء الله تعالى . ذكر ذلك
الطوفي في مختصره . وذلك من وجوه ، منها الترك ، مثل أن يترك فعلا قد أمر به ، أو قد سبق منه فعله فيكون تركه له مبينا لعدم وجوبه . وذلك كما أنه قيل له {
وأشهدوا إذا تبايعتم } ثم إنه كان يبايع ولا يشهد ، بدليل الفرس الذي اشتراه من الأعرابي ثم أنكر البيع . فعلم أن الإشهاد في البيع غير واجب . وصلى النبي صلى الله عليه وسلم التراويح في رمضان ثم تركها ، خشية أن تفرض عليهم . فدل على عدم الوجوب ، إذ يمتنع تركه الواجب . ومنها : السكوت بعد السؤال عن حكم الواقعة . فيعلم أنه لا حكم للشرع فيها ، كما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46753أن زوجة سعد بن الربيع جاءت بابنتيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هاتان ابنتا nindex.php?page=showalam&ids=37سعد ، قتل أبوهما معك يوم أحد . وقد أخذ عمهما مالهما ، ولا ينكحان إلا بمال . فقال : اذهبي حتى يقضي الله فيك . فذهبت ثم نزلت آية الميراث { يوصيكم الله في أولادكم } فبعث خلف المرأة وابنتيها وعمهما [ ص: 438 ] فقضى فيهم بحكم الآية } فدل ذلك على أن قبل نزول الآية لم يكن في المسألة حكم ، وإلا لما جاز تأخيره عن وقت الحاجة إليه ، كما يأتي . ومنها : أن يستدل الشارع استدلالا عقليا ، فتبين به العلة ، أو مأخذ الحكم ، أو فائدة ما إذ الكلام في بيان المجمل ومحتملاته بالفرض متساوية . فأدنى مرجح يحصل بيانا محافظة على المبادرة إلى الامتثال ، وعدم الإهمال للدليل . قاله
الطوفي في شرحه .
وتابعه
العسقلاني في شرحه . وزاد الأخير
( والفعل والقول ) الصادران من الشارع ( بعد مجمل ، إن صلحا ) أي صلح كل واحد منهما أن يكون بيانا ( واتفقا ) في غرض البيان ، بأن لا يكون بينهما تناف ( فالأسبق ) منهما ( إن عرف بيان ) للمجمل ( والثاني ) منهما ( تأكيد ) للأسبق ( وإن جهل ) الأسبق من الفعل والقول ( فأحدهما ) فقط هو المبين فلا يقضى على واحد بعينه بأنه المبين ، بل يقضى بحصول البيان من واحد منهما لم نطلع عليه ، وهو الأول في نفس الأمر والثاني في نفس الأمر تأكيد وهذا هو الصحيح ، وعليه الأكثر . وقال
الآمدي : يتعين للتقديم غير الأرجح ، حتى يكون هو المبين ، لأن المرجوح لا يكون تأكيدا للراجح ، لعدم الفائدة ، وأجابوا عن ذلك بأن المؤكد المستقل لا يلزم فيه ذلك ، كالجمل التي يذكر بعضها بعد بعض للتأكيد ، وأن التأكيد يحصل بالثانية . وإن كان أضعف بانضمامها إلى الأولى ، وإنما يلزم كون المؤكد أقوى في المفردات ( وإن )
( لم يتفقا ) أي الفعل والقول ( كما لو طاف ) النبي ( صلى الله عليه وسلم بعد آية الحج ) حال كونه ( مرتين ) أي طوافين ( وأمر ) من حج ( قارنا بمرة ) أي بطواف واحد .
( فقوله ) الذي هو أمره بطواف واحد ( بيان ) سواء كان قبل فعله الذي هو طوافه مرتين أو بعده . لأن القول يدل على البيان بنفسه بخلاف الفعل . فإنه لا يدل إلا بواسطة انضمام القول إليه . والدال بنفسه أقوى من الدال بغيره لا يقال : قد سبق أن الفعل أقوى في البيان . لأنا نقول : التحقيق أن القول أقوى في الدلالة على الحكم . والفعل أدل على الكيفية . ففعل الصلاة أدل من وصفها بالقول لأن فيه المشاهدة . وأما استفادة وجوبها أو ندبها أو غيرهما : فالقول أقوى
[ ص: 439 ] لصراحته . وقيل : المقدم هو البيان ( وفعله ) الذي هو طوافه مرتين سواء كان قبل قوله أو بعده ( ندب ، أو واجب مختص به ) يعني : أن فعله المذكور يحمل حينئذ على الندب ، أو على الوجوب المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لما تقدم من قوة دلالة القول ( ويجوز كون البيان أضعف دلالة ) من المبين عند الأكثر من أصحابنا وغيرهم . واستدل لذلك بتبيين السنة لمجمل القرآن . وقيل : لا بد أن يكون البيان أقوى . وقيل : لا بد من التساوي ( ولا تعتبر مساواته ) أي مساواة البيان للمبين ( في الحكم ) وعدمه . قال
ابن مفلح : لا تعتبر
مساواة البيان للمبين في الحكم . قاله في التمهيد : وغيره ، لتضمنه صفته . والزائد بدليل ، خلافا لقوم . فهذه المسألة غير المسألة التي قبلها . لأن الأولى في ضعف الدلالة وقوتها . وهذه في مساواة البيان للمبين في الحكم وعدمه .
والمسألة التي قبلها ممثلة بتبيين القرآن بخبر الواحد . وذلك أضعف في الرتبة ، لا في الدلالة ولا يلزم من ضعف الرتبة ضعف الدلالة ، لجواز أن يكون الأضعف رتبة أقوى دلالة ، كتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لأنه أخص فيكون أدل