( ويجوز ثبوت كل الأحكام بنص من الشارع ) عند أصحابنا والأكثر . وقيل : لا يجوز ; لأن الحوادث لا تتناهى فكيف ينطبق عليها نصوص متناهية ؟ ورد بأنها تتناهى لتناهي التكليف بالقيامة ، ثم يجوز أن تحدث نصوص غير متناهية . و
( لا ) يجوز ثبوت كل الأحكام ( بالقياس ) عند الجمهور ; لأن القياس لا بد له من أصل ; ولأن في الأحكام - ما لا يعقل معناه ، كضرب الدية على العاقلة . فإجراء القياس في مثله متعذر ; لما علم أن القياس فرع تعقل المعنى المعلل به الحكم في الأصل . وأيضا فإن فيها ما تختلف أحكامه فلا يجري فيه . وقيل : بلى . كما يجوز إثباتها كلها بالنص يجوز إثباتها كلها بالقياس . وقد ذكر
الشيخ تقي الدين - وتبعه
ابن القيم - أنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس و ما لا يعقل معناه وبينا ذلك بما لا مزيد عليه .
( ومعرفته ) أي
معرفة القياس ( فرض كفاية ) عند تعدد المجتهدين ( ويكون فرض عين على بعض المجتهدين ) في صورة ، وهي ما إذا لم يكن إلا مجتهد واحد واحتاج إلى القياس لنزول حادثة ، وقد ضاق الوقت ، فإنه يصير في حقه فرض عين . وغاير
ابن حمدان في مقنعه بين القولين ، فقال : فرض كفاية ، وقيل : فرض عين . والصواب الأول ( وهو ) أي القياس ( من الدين ) عند الأكثر ; لأنه مما تعبدنا الله تعالى به ، وكل ما تعبدنا الله به فهو دين ، وهو مأمور به من قبل الشارع بصيغة " افعل " دليله :
[ ص: 538 ] قوله - سبحانه وتعالى - {
فاعتبروا يا أولي الأبصار } قال
ابن مفلح : القياس دين ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11922أبي الهذيل : لا يطلق عليه اسم دين ، وهو في بعض كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي . وعند
الجبائي : الواجب منه دين . انتهى . وقال
الروياني في البحر : القياس عندنا دين الله وحجته وشرعه . انتهى .
( والنفي ) ضربان أحدهما نفي ( أصلي ) وهو البقاء على ما كان قبل ورود الشرع ، كانتفاء صلاة سادسة ، فهو مبقى باستصحاب موجب العقل ، فلا يجري فيه قياس العلة ، لأنه لا موجب له قبل ورود السمع فليس بحكم شرعي ، حتى يطلب له علة شرعية ، بل هو نفي حكم الشرع . وإنما العلة لما يتجدد ، لكن ( يجري فيه قياس الدلالة ) وهو أن
يستدل بانتفاء حكم شيء على انتفائه عن مثله .
ويكون ذلك ضم دليل إلى دليل ( فيؤكد به الاستصحاب ) أي استصحاب الحال . وهذا وهو كونه : لا يجري فيه قياس العلة ، ويجري فيه قياس الدلالة ، هو الصحيح . اختاره
الغزالي والرازي ، وعزاه
الهندي للمحققين .
( و ) الضرب الثاني :
نفي ( طارئ ، كبراءة الذمة ) من الدين ، ونحوه حكم شرعي ( يجري فيه هو ) أي قياس الدلالة وقياس العلة ; لأنه حكم شرعي حادث . فهو كسائر الأحكام الوجودية . قال
ابن مفلح عقب المسألة : ويستعمل القياس على وجه التلازم ، فيجعل حكم الأصل في الثبوت ملزوما . وفي النفي نقيضه لازما ، نحو لما وجبت زكاة مال البالغ المشترك بينه وبين مال الصبي : وجبت فيه ، ولو وجبت في حلي وجبت في جوهر قياسا ، واللازم منتف ، فينتفي ملزومه . انتهى .