انتهى . ( ولا مناسبة ) أي
لا يلتفت اعتبار وجود مناسبة ( ذاتية ) أي طبيعية ( بين لفظ ومدلوله ) أي مدلول ذلك اللفظ ، لما تقدم من المشترك الموضوع للشيء
[ ص: 93 ] وضده ، كالقرء والجون ونحوهما ولاختلاف الاسم مع اتحاد المسمى ، وإنما اختص كل اسم بمعنى بإرادة الفاعل المختار وخالف في ذلك
عباد بن سليمان المعتزلي الصيمري بفتح الصاد والميم .
( ويجب حمل )
( اللفظ ) إذا دار بين كونه حقيقة أو مجازا ، مع الاحتمال ( على حقيقته ) كالأسد مثلا فإنه للحيوان المفترس حقيقة وللرجل الشجاع مجازا فإذا أطلق ولا قرينة كان للحيوان المفترس ; لأن الأصل الحقيقة ، والمجاز خلاف الأصل ( و ) كذلك إذا دار الأمر في اللفظ بين جريانه على عمومه أو تخصيصه ، فإنه يحمل على ( عمومه ) ; لأن الأصل بقاء العموم نحو قوله تعالى ( {
وأن تجمعوا بين الأختين } ) يدخل في عمومه الحرتين والأمتين .
وإذا كانت إحداهما أمة والأخرى حرة ، ولا يخصص بالحرتين ( و ) كذا إذا
دار اللفظ بين أن يكون مشتركا أو مفردا . فإنه يحمل على ( إفراده ) كالنكاح . فإنه مشترك بين الوطء وسببه الذي هو العقد ، فيحمل على الوطء دون العقد ، أو على العقد دون الوطء ، لا على الاشتراك ( و ) كذا إذا دار اللفظ بين أن يكون مضمرا أو مستقلا . فإنه يحمل على ( استقلاله ) وهو عدم التقدير . نحو قوله تعالى ( {
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } ) فبعض العلماء يقدر ليقتلوا : إن قتلوا ; أو تقطع أيديهم إن سرقوا وبعضهم يقول : الأصل الاستقلال . وهو عدم التقدير ( و ) كذا إذا
دار اللفظ بين أن يكون مقيدا أو مطلقا . فإنه يحمل على ( إطلاقه ) نحو قوله تعالى ( {
لئن أشركت ليحبطن عملك } ) فبعض العلماء يقيده بالموت على الشرك ، وبعضهم يحمله على إطلاقه ; لأنه الأصل .
فيكون مجرد الشرك محبطا لما سبقه من الأعمال ( و ) كذا إذا
دار اللفظ بين أن يكون زائدا أو متأصلا فإنه يحمل على ( تأصيله ) نحو قوله تعالى ( {
لا أقسم بهذا البلد } ) قيل " لا " زائدة وأصل الكلام : أقسم بهذا البلد . وقيل : ليست بزائدة ; لأن الأصل في الكلام التأصيل ، ويكون المعنى : لا أقسم بهذا البلد وأنت لست فيه ، بل لا يعظم ولا يصلح للقسم إلا إذا كنت فيه .
( و ) كذا إذا دار الأمر بين أن يكون اللفظ مؤخرا أو مقدما . فإنه يحمل على ( تقديمه )
[ ص: 94 ] نحو قوله تعالى ( {
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا } ) فبعض العلماء يقول : إن في الآية تقديما وتأخيرا تقديره : والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة ، ثم يعودون لما كانوا قبل الظهار سالمين من الإثم بسبب الكفارة . وعلى هذا : فلا يكون العود شرطا في وجوب الكفارة . وبعضهم يحملها على الأصل ، وهو الترتيب . وعلى هذا : فلا تجب الكفارة إلا بالظهار والعود .
( و ) كذا إذا
دار اللفظ بين أن يكون مؤكدا أو مؤسسا . فإنه يحمل على ( تأسيسه ) نحو قوله تعالى ( {
فبأي آلاء ربكما تكذبان } ) من أول سورة الرحمن إلى آخرها فإن جعل تأكيدا لزم تكرار التأكيد أكثر من ثلاث مرات .
والعرب لا تزيد في التأكيد على ثلاث ، فيحمل في كل محل على ما تقدم ذلك التكذيب .
وكذلك القول في ( {
ويل يومئذ للمكذبين } ) في سورة المرسلات . فيكون الجمع تأسيسا لا تأكيدا ( و ) كذا إذا
دار اللفظ بين أن يكون مترادفا أو متباينا . نحو قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34047ليلني منكم أولو الأحلام والنهى } . فالنهى : جمع نهية - بالضم - وهي العقل ، فبعض العلماء فسر " أولو الأحلام " بالعقلاء . فيكون اللفظان مترادفين . وبعضهم فسر " أولو الأحلام " بالبالغين .
فيكون اللفظان متباينين . فإنه يحمل على ( تباينه ) فيحمل اللفظ مع احتمال حقيقته عليها ( دون مجازه ، و ) على عمومه دون ( تخصيصه ، و ) على إفراده دون ( اشتراكه ، و ) على استقلاله دون ( إضماره ، و ) على إطلاقه دون ( تقييده ، و ) على تأصيله دون ( زيادته ، و ) على تقديمه دون ( تأخيره ، و ) كذا إذا دار الأمر بين كون اللفظ مؤكدا أو مؤسسا . فإنه يحمل على تأسيسه دون ( توكيده . و ) على تباينه دون ( ترادفه . و ) كذا إذا دار الأمر بين نسخ الحكم وبقائه . نحو قوله تعالى ( {
قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } ) فحصر المحرم في هذه الأربعة يقتضي إباحة ما عداها ومن جملته
[ ص: 95 ] السباع .
وقد ورد نهيه صلى الله عليه وسلم " عن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن كل ذي مخلب من الطير " فبعض العلماء يقول : إن ذلك ناسخ للإباحة ، وبعضهم يقول : ليس بناسخ ، والأكل مصدر مضاف إلى الفاعل ، وهو الأصل في إضافة المصدر بنص النحاة . فيكون مثل قوله تعالى ( {
وما أكل السبع إلا ما ذكيتم } ) فيكون حكمهما واحدا وإذا كان الأمر كذلك فيحمل ( على بقائه دون نسخه ، إلا لدليل راجح ) يدل على خلاف ما قلنا ، أن اللفظ يحمل عليه ، فيعمل به ويترك ما ذكرناه ( ويحمل ) اللفظ الصادر من متكلم له عرف ( على عرف متكلم ) كالفقيه مثلا . فإنه يرجع إلى عرفه في كلامه ومصطلحاته وكذا الأصولي والمحدث والمفسر واللغوي ، ونحوهم من أرباب العلوم وكذلك إذا سمع من الشارع شيء له مدلول شرعي ومدلول لغوي . فإنه يحمل على مدلوله الشرعي .
كقوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31850لا يقبل الله صلاة بغير طهور } فإنه لو حمل على المعنى اللغوي ، وهو الدعاء ، لزم أن لا يقبل الله تعالى دعاء بغير طهور ، ولم يقل به أحد . فيجب حمله على الصلاة المعهودة في الشرع . وهي العبادة المخصوصة ، والله تعالى أعلم .