مسألة ذهب قوم إلى أن
العقل يدل على وجوب العمل بخبر الواحد دون الأدلة السمعية ، واستدلوا عليه بدليلين :
أحدهما : أن المفتي إذا لم يجد دليلا قاطعا من كتاب أو إجماع أو سنة متواترة ووجد خبر الواحد فلو لم يحكم به لتعطلت الأحكام ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مبعوثا إلى أهل العصر يحتاج إلى إنفاذ الرسل ; إذ لا يقدر على مشافهة الجميع ولا إشاعة جميع أحكامه على التواتر إلى كل أحد ; إذ لو أنفذ عدد التواتر إلى كل قطر لم يف بذلك أهل مدينته .
وهذا ضعيف ; لأن المفتي إذا فقد الأدلة القاطعة يرجع إلى البراءة الأصلية والاستصحاب ، كما لو فقد خبر الواحد أيضا . وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فليقتصر على من يقدر على تبليغه ، فمن الناس في الجزائر من لم يبلغه الشرع فلا يكلف به ، فليس تكليف الجميع واجبا نعم لو تعبد نبي بأن يكلف جميع الخلق ولا يخلي واقعة عن حكم الله تعالى ولا شخصا عن التكليف فربما يكون الاكتفاء بخبر الواحد
[ ص: 118 ] ضرورة في حقه .
والدليل الثاني : أنهم قالوا : صدق الراوي ممكن ، فلو لم نعمل بخبر الواحد لكنا قد تركنا أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالاحتياط والحزم في العمل . وهو باطل من ثلاثة أوجه ، أحدها : أن كذبه ممكن ، فربما يكون عملنا بخلاف الواجب .
الثاني : أنه كان يجب العمل بخبر الكافر والفاسق لأن صدقه ممكن الثالث : هو أن براءة الذمة معلومة بالعقل والنفي الأصلي فلا ترفع بالوهم ، وقد استدل به قوم في نفي خبر الواحد ، وهو وإن كان فاسدا فهو أقوم من قوله إن الصدق إذا كان ممكنا يجب العمل به .