الفصل الثالث : في
نفس التزكية .
وذلك إما بالقول ، أو بالرواية عنه ، أو بالعمل بخبره ، أو بالحكم بشهادته ، فهذه أربعة أعلاها صريح القول . وتمامه أن يقول : هو عدل رضا لأني عرفت منه كيت وكيت . فإن لم يذكر السبب وكان بصيرا بشروط العدالة كفى . الثانية أن يروي عنه خبرا . وقد اختلفوا في كونه تعديلا ، والصحيح أنه إن عرف من عادته أو بصريح قوله أنه لا يستجيز الرواية إلا من عدل كانت الرواية تعديلا وإلا فلا ، إذ من عادة أكثرهم الرواية من كل من سمعوه ، ولو كلفوا الثناء عليهم سكتوا ، فليس في روايته ما يصرح بالتعديل . فإن قيل : لو عرفه بالفسق ثم روى عنه كان غاشا في الدين .
قلنا : لم نوجب على غيره العمل ، لكن قال : سمعت فلانا قال كذا وصدق فيه ، ثم لعله لم يعرفه بالفسق ولا العدالة فروى ووكل البحث إلى من أراد القبول .
الثالثة : العمل بالخبر إن أمكن حمله على الاحتياط أو على العمل بدليل آخر وافق الخبر فليس بتعديل ، وإن عرفنا يقينا أنه عمل بالخبر فهو تعديل ، إذ لو عمل بخبر غير العدل لفسق وبطلت عدالته . فإن قيل لعله ظن أن مجرد الإسلام مع عدم الفسق عدالة . قلنا : هذا يتطرق إلى التعديل بالقول ، ونحن
نقول العمل
[ ص: 130 ] كالقول ، وهذا الاحتمال ينقطع بذكر سبب العدالة .
وما ذكرناه تفريع على الاكتفاء بالتعديل المطلق ، إذ لو شرط ذكر السبب لشرط في شهادة البيع والنكاح عد جميع شرائط الصحة ، وهو بعيد . فإن قيل : لعله عرفه عدلا ويعرفه غيره بالفسق .
قلنا : من عرفه لا جرم لا يلزمه العمل به ، كما لو عدل جريحا . الرابعة : أن يحكم بشهادته ، فذلك أقوى من تزكيته بالقول .
أما ترك الحكم بشهادته وبخبره فليس جرحا ; إذ قد يتوقف في شهادة العدل وروايته لأسباب سوى الجرح ، كيف وترك العمل لا يزيد على الجرح المطلق وهو غير مقبول عند الأكثرين ؟ وبالجملة إن لم ينقدح وجه لتزكية العمل من تقديم أو دليل آخر فهو كالجرح المطلق .