الفصل الرابع : في
عدالة الصحابة رضي الله عنهم
والذي عليه سلف الأمة ، وجماهير الخلف ، أن عدالتهم معلومة بتعديل الله عز وجل إياهم وثنائه عليهم في كتابه ، فهو معتقدنا فيهم إلا أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به ، وذلك مما لا يثبت فلا حاجة لهم إلى التعديل قال الله تعالى : {
كنتم خير أمة أخرجت للناس } وقال تعالى : {
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس } وهو خطاب مع الموجودين في ذلك العصر .
وقال تعالى : {
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } وقال عز وجل : {
والسابقون الأولون } وقد ذكر الله تعالى
المهاجرين والأنصار في عدة مواضع وأحسن الثناء عليهم ، وقال : صلى الله عليه وسلم " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم " وقال : صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33588لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه } وقال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11211إن الله اختار لي أصحابا وأصهارا وأنصارا } .
فأي تعديل أصح من تعديل علام الغيوب - سبحانه - وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ كيف ولو لم يرد الثناء لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم في الهجرة والجهاد وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأهل في موالاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصرته كفاية في القطع بعدالتهم ؟ وقد زعم قوم أن حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث . وقال قوم : حالهم العدالة في بداية الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات ، ثم تغير الحال وسفكت الدماء فلا بد من البحث .
وقال جماهير
المعتزلة nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير وجميع أهل
العراق والشام فساق بقتال الإمام الحق . وقال قوم من سلف
القدرية : يجب رد شهادة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير مجتمعين ومفترقين لأن فيهم فاسقا لا نعرفه بعينه . وقال قوم : نقبل شهادة كل واحد إذا انفرد لأنه لم يتعين فسقه ، أما إذا كان مع مخالفه فشهدا ردا إذ نعلم أن أحدهما فاسق .
وشك بعضهم في فسق
عثمان وقتلته . وكل هذا جراءة على
السلف على خلاف السنة ، بل قال قوم : ما جرى بينهم ابتني على الاجتهاد وكل مجتهد مصيب ، أو المصيب واحد ، والمخطئ معذور لا ترد شهادته ، وقال قوم : ليس ذلك مجتهدا فيه ، ولكن قتلة
عثمان والخوارج مخطئون قطعا لكنهم جهلوا خطأهم وكانوا متأولين ،
والفاسق المتأول لا ترد روايته ، وهذا أقرب من المصير إلى سقوط تعديل القرآن مطلقا .
فإن قيل : القرآن أثنى على الصحابة ، فمن الصحابي ؟ أمن عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من لقيه مرة أو من صحبه ساعة أو من طالت صحبته ؟ وما حد
[ ص: 131 ] طولها ؟
قلنا : الاسم لا يطلق إلا على من صحبه .
ثم يكفي للاسم من حيث الوضع الصحبة ولو ساعة ، ولكن العرف يخصص الاسم بمن كثرت صحبته ، ويعرف ذلك بالتواتر والنقل الصحيح وبقول الصحابي كثرت صحبتي ، ولا حد لتلك الكثرة بتقدير بل بتقريب .