مسألة
الإجماع من الأكثر ليس بحجة مع مخالفة الأقل وقال قوم هو حجة وقال قوم : إن بلغ عدد الأقل عدد التواتر اندفع الإجماع وإن نقص فلا يندفع .
والمعتمد عندنا أن العصمة إنما تثبت للأمة بكليتها ، وليس هذا إجماع الجميع بل هو مختلف فيه ، وقد قال تعالى : {
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } فإن قيل : قد تطلق الأمة ويراد بها الأكثر ، كما يقال
بنو تميم يحمون الجار ويكرمون الضيف ، ويراد الأكثر .
قلنا من يقول بصيغة العموم يحمل ذلك على الجميع ، ولا يجوز التخصيص بالتحكم بل بدليل وضرورة ولا ضرورة ههنا ، ومن لا يقول به فيجوز أن يريد به الأقل وعند ذلك لا يتميز البعض المراد عما ليس بمراد ولا بد من إجماع الجميع ليعلم أن البعض المراد داخل فيه ، كيف وقد وردت أخبار تدل على قلة أهل الحق حيث قال {
وهم يومئذ الأقلون }
[ ص: 147 ] وقال صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20493سيعود الدين غريبا كما بدأ غريبا } وقال تعالى {
أكثرهم لا يعقلون } وقال تعالى : {
وقليل من عبادي الشكور } وقال تعالى : {
كم من فئة قليلة } الآية .
وإذا لم يكن ضابط ولا مرد فلا خلاص إلا باعتبار قول الجميع . الدليل الثاني إجماع الصحابة على
تجويز الخلاف للآحاد ، فكم من مسألة قد انفرد فيها الآحاد بمذهب
كانفراد nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بالعول فإنه أنكره . فإن قيل : لا بل أنكروا على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس القول بتحليل المتعة وأن الربا في النسيئة ، وأنكرت
عائشة على
nindex.php?page=showalam&ids=68ابن أرقم مسألة العينة ، وأنكروا على
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري قوله : "
النوم لا ينقض الوضوء وعلى
nindex.php?page=showalam&ids=86أبي طلحة القول بأن
أكل البرد لا يفطر وذلك لانفرادهم به
قلنا لا بل لمخالفتهم السنة الواردة فيه المشهورة بينهم أو لمخالفتهم أدلة ظاهرة قامت عندهم .
ثم
نقول : هب أنهم أنكروا انفراد المنفرد ، والمنفرد منكر عليهم إنكارهم ولا ينعقد الإجماع ، فلا حجة في إنكارهم مع مخالفة الواحد . ولهم شبهتان :
الشبهة الأولى : قولهم :
قول الواحد فيما يخبر عن نفسه لا يورث العلم ، فكيف يندفع به
قول عدد حصل العلم بإخبارهم عن أنفسهم لبلوغهم عدد التواتر ؟ وعن هذا قال قوم : عدد الأقل إلى أن يبلغ مبلغ التواتر يدفع الإجماع . وهذا فاسد من ثلاثة أوجه .
الأول : أن صدق الأكثر وإن علم فليس ذلك صدق جميع الأمة واتفاقهم والحجة في اتفاق الجميع ، فسقطت الحجة لأنهم ليسوا كل الأمة .
الثاني : أن كذب الواحد ليس بمعلوم فلعله صادق ، فلا تكون المسألة اتفاقا من جميع الصادقين إن كان صادقا .
الثالث : أنه لا نظر إلى ما يضمرون بل التعبد متعلق بما يظهرون فهو مذهبهم وسبيلهم لا ما أضمروه ، فإن قيل : فهل يجوز أن تضمر الأمة خلاف ما تظهر ؟
قلنا : ذلك إن كان إنما يكون عن تقية وإلجاء وذلك يظهر ويشتهر وإن لم يشتهر فهو محال لأنه يؤدي إلى اجتماع الأمة على ضلالة وباطل ، وهو ممتنع بدليل السمع .
الشبهة الثانية : أن مخالفة الواحد شذوذ عن الجماعة وهو منهي عنه ، فقد ورد ذم الشاذ وأنه كالشاذ من الغنم عن القطيع .
قلنا : الشاذ عبارة عن الخارج عن الجماعة بعد الدخول فيها ، ومن دخل في الإجماع لا يقبل خلافه بعده وهو الشذوذ ، أما الذي لم يدخل أصلا فلا يسمى شاذا . فإن قيل : فقد قال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21771عليكم بالسواد الأعظم فإن الشيطان مع الواحد وهو عن الاثنين أبعد } .
قلنا : أراد به الشاذ
الخارج على الإمام بمخالفة الأكثر على وجه يثير الفتنة وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=43106وهو عن الاثنين أبعد } أراد به الحث على طلب الرفيق في الطريق ، ولهذا قال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39726والثلاثة ركب } . وقد قال بعضهم
قول الأكثر حجة وليس بإجماع . وهو متحكم بقوله إنه حجة إذ لا دليل عليه وقال بعضهم : مرادي به أن اتباع الأكثر أولى .
قلنا : هذا يستقيم في الأخبار وفي حق المقلد إذا
لم يجد ترجيحا بين المجتهدين سوى الكثرة ، وأما المجتهد فعليه اتباع الدليل دون الأكثر لأنه إن خالفه واحد لم يلزمه اتباعه وإن انضم إليه مخالف آخر لم يلزمه الاتباع .