مسألة
إذا أفتى بعض الصحابة بفتوى وسكت الآخرون لم ينعقد الإجماع ولا ينسب إلى ساكت قول ، وقال قوم : إذا انتشر وسكتوا ، فسكوتهم كالنطق حتى يتم به الإجماع .
وشرط قوم انقراض العصر على السكوت ، وقال قوم : هو حجة وليس بإجماع ، وقال قوم : ليس بحجة ولا إجماع ، ولكنه دليل تجويزهم الاجتهاد في المسألة ، والمختار أنه ليس بإجماع ولا حجة ، ولا هو دليل على تجويز الاجتهاد في المسألة إلا إذا دلت قرائن الأحوال على أنهم سكتوا مضمرين الرضا وجواز الأخذ به عند السكوت .
والدليل عليه أن فتواه إنما تعلم بقوله الصريح الذي لا يتطرق إليه احتمال وتردد ، والسكوت متردد فقد يسكت من غير إضمار الرضا لسبعة أسباب :
الأول : أن يكون في باطنه مانع من إظهار القول ، ونحن لا نطلع عليه ، وقد تظهر قرائن السخط عليه مع سكوته
الثاني : أن يسكت ; لأنه يراه قولا سائغا لمن أداه إليه اجتهاده ، وإن لم يكن هو موافقا عليه بل كان يعتقد خطأه .
الثالث : أن يعتقد أن كل مجتهد مصيب فلا يرى الإنكار في المجتهدات أصلا ولا يرى الجواب إلا فرض كفاية ، فإذا كفاه من هو مصيب سكت ، وإن خالف اجتهاده .
الرابع : أن يسكت وهو منكر لكن ينتظر فرصة الإنكار ولا يرى البدار مصلحة لعارض من العوارض ينتظر زواله ثم يموت قبل زوال ذلك العارض أو يشتغل عنه .
الخامس : أن يعلم أنه لو أنكر لم يلتفت إليه وناله ذل وهوان كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في سكوته عن إنكار العول في حياة
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كان رجلا مهيبا فهبته .
السادس : أن يسكت ; لأنه متوقف في المسألة ; لأنه بعد في مهلة النظر .
السابع : أن يسكت لظنه أن غيره قد كفاه الإنكار وأغناه عن الإظهار ثم يكون قد غلط فيه فترك الإنكار عن توهم ; إذ رأى الإنكار فرض كفاية وظن أنه قد كفي وهو مخطئ في وهمه . فإن قيل : لو كان فيه خلاف لظهر .
قلنا : ولو كان فيه وفاق لظهر ، فإن تصور عارض يمنع من ظهور الوفاق تصور مثله في ظهور الخلاف . وبهذا يبطل قول
الجبائي حيث شرط انقراض العصر في السكوت ; إذ من العوارض المذكورة ما يدوم إلى آخر العصر . أما من قال : هو حجة ، وإن لم يكن إجماعا ، فهو
[ ص: 152 ] تحكم ; لأنه قول بعض الأمة ، والعصمة إنما تثبت للكل فقط . فإن قيل : نعلم قطعا أن التابعين كانوا إذا أشكل عليهم مسألة فنقل إليهم مذهب بعض الصحابة مع انتشاره وسكوت الباقين كانوا لا يجوزون العدول عنه ، فهو إجماع منهم على كونه حجة .
قلنا : هذا إجماع غير مسلم ، بل لم يزل العلماء مختلفين في هذه المسألة ، ويعلم المحصلون أن السكوت متردد ، وأن قول بعض الأمة لا حجة فيه .