مسألة مطلق الأمر يقتضي الفور عند قوم
مطلق الأمر يقتضي الفور عند قوم ، ولا يقتضيه عند قوم ، وتوقف فيه من الواقفية قوم . ثم منهم من قال : التوقف في المؤخر هل هو ممتثل أم لا أما المبادر فممتثل قطعا ، ومنهم من غلا وقال : يتوقف في المبادر أيضا . ، والمختار أنه لا يقتضي إلا الامتثال ، ويستوي فيه البدار ، والتأخير ، وندل على بطلان الوقف أولا
فنقول للمتوقف : المبادر ممتثل أم لا ؟ فإن توقفت فقد خالفت إجماع الأمة قبلك فإنهم متفقون على أن المسارع إلى الامتثال مبالغ في الطاعة مستوجب جميل الثناء ، والمأمور إذا قيل له : قم يعلم نفسه ممتثلا ، ولا يعد به مخطئا باتفاق أهل اللغة قبل ورود الشرع ; وقد أثنى الله تعالى على المسارعين فقال عز من قائل : {
سارعوا إلى مغفرة من ربكم } وقال : {
يسارعون في الخيرات ، وهم لها سابقون } ، وإذا بطل هذا التوقف
فنقول : لا معنى للتوقف في المؤخر لأن قوله : " اغسل هذا الثوب " مثلا لا يقتضي إلا طلب الغسل ، والزمان من ضرورة الغسل كالمكان ، وكالشخص في القتل ، والضرب ، والسوط ، والسيف في الضرب ، ثم لا يقتضي الأمر بالضرب مضروبا مخصوصا ، ولا سوطا ، ولا مكانا للأمر ، فكذلك الزمان ; لأن اللافظ ساكت عن التعرض للزمان ، والمكان فهما سيان ، ويعتضد هذا بطريق ضرب المثال لا بطريق القياس بصدق الوعد إذا قال : " اغسل ، واقتل " فإنه صادق بادر أو أخر ، ولو حلف لأدخلن الدار لم يلزمه البدار .
وتحقيقه أن مدعي الفور متحكم ، وهو محتاج إلى أن ينقل عن أهل اللغة أن قولهم : افعل للبدار ، ولا سبيل إلى نقل ذلك لا تواترا ، ولا آحادا ، ولهم شبهتان .
الأولى : أن الأمر للوجوب ، وفي تجويز التأخير ما ينافي الوجوب إما بالتوسع ، وإما بالتخيير في فعل لا بعينه من جملة الأفعال الواقعة في الأوقات ، والتوسع ، والتخيير كلاهما يناقض الوجوب .
قلنا : قد بينا في القطب الأول أن الواجب المخير ، والموسع جائز ، ويدل عليه أنه لو صرح وقال : " اغسل الثوب أي وقت شئت فقد أوجبته عليك " لم يتناقض . ثم لا نسلم أن الأمر للوجوب ، ولو كان للوجوب إما بنفسه أو بقرينة فالتوسع لا ينافيه كما سبق .
الشبهة الثانية : أن الأمر يقتضي وجوب الفعل ، واعتقاد الوجوب ، والعزم على الامتثال ثم وجوب الاعتقاد ، والعزم على الفور ، فليكن كذلك الفعل .
قلنا القياس باطل في اللغات ، ثم هو منقوض بقوله : " افعل أي وقت شئت " فإن الاعتقاد ، والعزم فيه على الفور دون الفعل . ثم
نقول : وجوب الفور في العزم والاعتقاد معلوم بقرينة ، وأدلة دلت على التصديق للشارع ، والعزم على الانقياد له ، ولم يحصل ذلك بمجرد الصيغة .