الباب الخامس : في الاستثناء ، والشرط ، والتقييد بعد الإطلاق
الفصل الأول : في حقيقة الاستثناء
الكلام في الاستثناء ، والنظر في حقيقته وحده ، ثم في شرطه ، ثم في تعقب الجمل المترادفة فهذه ثلاثة فصول .
الفصل الأول : في
حقيقة الاستثناء . وصيغه معروفة ، وهي : " إلا " ، " وعدا " ، " وحاشا " ، " وسوى " ، وما جرى مجراها ، وأم الباب " إلا " ، وحده أنه قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور فيه لم يرد بالقول الأول ، ففيه احتراز عن أدلة التخصيص ; لأنها قد لا تكون قولا ، وتكون فعلا ، وقرينة ، ودليل عقل ، فإن كان قولا فلا تنحصر صيغه . واحترزنا بقولنا ذو صيغ محصورة " عن قوله : رأيت المؤمنين ، ولم أر زيدا ، فإن
العرب لا تسميه استثناء ، وإن أفاد ما يفيده قوله : إلا زيدا . ويفارق الاستثناء التخصيص في أنه يشترط اتصاله ، وأنه يتطرق إلى الظاهر ، والنص جميعا ، إذ يجوز أن يقول : عشرة إلا ثلاثة ، كما يقول : اقتلوا المشركين إلا زيدا ، والتخصيص لا يتطرق إلى النص أصلا ، وفيه احتراز عن النسخ إذ هو رفع ، وقطع ، وفرق بين النسخ ، والاستثناء ، والتخصيص أن النسخ رفع لما دخل تحت اللفظ ، والاستثناء يدخل على الكلام ، فيمنع أن يدخل تحت اللفظ ما كان يدخل لولاه ، والتخصيص يبين كون اللفظ قاصرا عن البعض ; فالنسخ قطع ، ورفع ، والاستثناء رفع ، والتخصيص بيان ، وسيأتي لهذا مزيد تحقيق في فصل الشرط إن شاء الله .