الفن الثاني : فيما يقتبس من الألفاظ لا من حيث صيغتها بل من حيث فحواها ، وإشارتها ، وهي خمسة أضرب
الضرب الأول : ما يسمى اقتضاء ، وهو الذي لا يدل عليه اللفظ ، ولا يكون منطوقا به ، ولكن يكون من ضرورة اللفظ إما من حيث لا يمكن كون المتكلم صادقا إلا به أو من حيث يمتنع وجود الملفوظ شرعا إلا به أو من حيث يمتنع ثبوته عقلا إلا به .
أما المقتضى الذي هو ضرورة صدق المتكلم فكقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30897لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل } فإنه نفى الصوم ، والصوم لا ينتفي بصورته ، فمعناه : لا صيام صحيح أو كامل ، فيكون حكم الصوم هو المنفي لا نفسه ، والحكم غير منطوق به لكن لا بد منه لتحقيق صدق الكلام ، فعن هذا
قلنا لا عموم له ; لأنه ثبت اقتضاء لا لفظا .
وهذا يصح على مذهب من ينكر الأسماء الشرعية ، ويقول لفظ الصوم باق على مقتضى اللغة فيفتقر فيه إلى إضمار الحكم ، أما من " جعله عبارة عن الصوم الشرعي ، فيكون انتفاؤه بطريق النطق لا بطريق
الاقتضاء ، بل مثاله : لا عمل إلا بنية " {
nindex.php?page=hadith&LINKID=40208، ورفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان } ، وما سبقت أمثلته في باب المجمل ، وأما مثال ما ثبت اقتضاء لتصور المنطوق به شرعا فقول القائل : أعتق عبدك عني ، فإنه يتضمن الملك ، ويقتضيه ، ولم ينطق به ، لكن العتق المنطوق به شرط نفوذه شرعا تقدم الملك فكان ذلك مقتضى اللفظ ، وكذلك لو أشار إلى عبد الغير ، وقال : والله لأعتقن هذا العبد ، يلزمه تحصيل الملك فيه إن أراد البر ، وإن لم يتعرض له لضرورة الملتزم .
وأما مثال ما ثبت اقتضاء لتصور المنطوق به عقلا فقوله تعالى : {
حرمت عليكم أمهاتكم } فإنه يقتضي إضمار الوطء أي : حرم عليكم وطء أمهاتكم ; ; لأن الأمهات عبارة عن الأعيان
، والأحكام لا تتعلق بالأعيان بل لا يعقل تعلقها إلا بأفعال المكلفين ، فاقتضى اللفظ فعلا وصار ذلك هو الوطء من بين سائر الأفعال بعرف الاستعمال ، وكذلك قوله : {
حرمت عليكم الميتة والدم } {
أحلت لكم بهيمة الأنعام } أي : الأكل .
ويقرب منه : {
واسأل القرية } أي : أهل القرية ; ; لأنه لا بد من الأهل حتى يعقل السؤال فلا بد من إضماره ، ويجوز أن يلقب هذا بالإضمار دون الاقتضاء ، والقول في هذا قريب