صفحة جزء
الثالثة : قولهم : كيف يتصرف بالقياس في شرع مبناه على التحكم ، والتعبد ، والفرق بين المتماثلات ، والجمع بين المتفرقات ؟ إذ قال : يغسل الثوب من بول الصبية ، ويرش من بول الصبي ، ويجب الغسل من المني ، والحيض ، ولا يجب من البول ، والمذي ، وفرق في حق الحائض بين قضاء الصلاة ، والصوم ، وأباح النظر إلى الرقيقة دون الحرة ، وجمع بين المختلفات فأوجب جزاء الصيد على من قتله عمدا أو خطأ ، وفرق في حلق الشعر ، والتطيب بين العمد ، والخطأ ، وأوجب الكفارة بالظهار ، والقتل ، واليمين ، والإفطار ، وأوجب القتل على الزاني ، والكافر ، والقاتل ، وتارك الصلاة ، وقال لأبي بردة : { تجزي عنك ، ولا تجزي عن أحد بعدك في الأضحية ، } ، وقيل للنبي عليه السلام : { خالصة لك من دون المؤمنين } ، وكيف يتجاسر في شرع هذا منهاجه على إلحاق المسكوت بالمنطوق ، وما من نص على محل إلا ، ويمكن أن يكون ذلك تحكما ، وتعبدا ؟ قلنا : لا ننكر اشتمال الشرع على تحكمات ، وتعبدات فلا جرم ، نقول : الأحكام ثلاثة أقسام قسم لا يعلل أصلا ، وقسم يعلم كونه معللا ، كالحجر على الصبي فإنه لضعف عقله ، وقسم يتردد فيه .

ونحن لا نقيس ما لم يقم لنا دليل على كون الحكم معللا ، ودليل على عين العلة المستنبطة ، ودليل على وجود العلة في الفرع ، وعند ذلك يندفع الإشكال المذكور ، ولما كثرت التعبدات في العبادات لم يرتض قياس غير التكبير ، والتسليم ، والفاتحة عليها ، ولا قياس غير المنصوص في الزكاة على المنصوص ، وإنما نقيس في المعاملات ، وغرامات الجنايات ، وما علم بقرائن كثيرة بناؤها على معان معقولة ، ومصالح دنيوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية