الرابعة :
قولهم : إن النبي عليه السلام قد أوتي جوامع الكلم ، فكيف يليق به أن يترك الوجيز المفهم ، ويعدل إلى الطويل الموهم ، فيعدل عن قوله : حرمت الربا في كل مطعوم أو كل مكيل ، إلى عد الأشياء الستة ليرتبك الخلق في ظلمات الجهل ؟ قلنا : ولو ذكر الأشياء الستة ، وذكر معها أن ما عداها لا ربا فيه ، وأن القياس حرام فيه لكان ذلك أصرح وللجهل ، والاختلاف أدفع ، فلم لم يصرح ، وقد كان قادرا ببلاغته على قطع الاحتمال للألفاظ العامة ، والظواهر ، وعلى أن يبين الجميع في القرآن المتواتر ليحسم الاحتمال عن المتن ، والسند جميعا ، وكان قادرا على رفع احتمال التشبيه في صفات الله تعالى بالتصريح بالحق في جميع ما وقع الخلاف فيه في العقليات ، وإذ لم يفعل فلا سبيل إلى التحكم على الله ورسوله فيما صرح ، ونبه وطول ، وأوجز ، والله أعلم بأسرار ذلك كله . ثم نقول : إن علم الله تعالى لطفا ، وسرا في تعبد العلماء بالاجتهاد ، وأمرهم بالتشمير عن ساق الجد في استنباط أسرار الشرع ، فيتعين عليه
[ ص: 299 ] أن يذكر البعض ، ويسكت عن البعض ، وينبه عليها تنبيها يحرك الدواعي للاجتهاد {
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } هذا على مذهب من يوجب الصلاح ، وعندنا فلله تعالى أن يفعل بعباده ما يشاء .