مسألة فرق بعض
القدرية بين الفعل والترك . فقالوا : إذا علل الشارع وجوب فعل بعلة فلا يقاس عليه غيره إلا بتعبد بالقياس ، ولو علل تحريم الخمر بعلة وجب قياس النبيذ عليه دون التعبد بالقياس ; لأن من ترك العسل لحلاوته لزمه أن يترك كل حلو ومن ترك الخمر لإسكاره لزمه أن يترك كل مسكر ، أما من شرب العسل لحلاوته فلا يلزمه أن يشرب كل حلو ، ومن صلى ; لأنها عبادة لا يلزمه أن يأتي بكل عبادة .
وبنوا على هذا أن التوبة لا تصح من بعض الذنوب ، بل من ترك ذنبا لكونه معصية لزمه ترك كل ذنب ، أما من أتى بعبادة لكونها طاعة فلا يلزمه أن يأتي بكل طاعة هذا محال في الطرفين ; لأنه لا يبعد في جانب التحريم
[ ص: 304 ] أن يحرم الخمر لشدة الخمر خاصة ويفرق بين شدة الخمر وشدة النبيذ ، وأما في جانب الفعل فمن تناول العسل لحلاوته ، ولفراغ معدته وصدق شهوته لا يفرق بين عسل وعسل نعم لا يلزمه أن يأكل مرة بعد أخرى لزوال الشهوة وامتلاء المعدة واختلاف الحال ، فما ثبت للشيء ثبت لمثله كان ذلك في ترك أو فعل ; لكن المثل المطلق لا يتصور إذ الاثنينية شرط المثلية
ومن شرط الاثنينية مغايرة ومخالفة ، وإذا جاءت المخالفة بطلت المماثلة وهذا له غور وليس هذا موضع بيانه . هذا تمام النظر في
إثبات أصل القياس على منكريه .