القسم الثاني : في
المفسدات الظنية الاجتهادية : التي نعني بفسادها أنها فاسدة عندنا وفي حقنا إذ لم تغلب على ظننا وهي صحيحة في حق من غلبت على ظنه ، ومن قال : المصيب واحد فيقول هي فاسدة في نفسها لا بالإضافة ، إلا أني أجوز أن أكون أنا المخطئ ، وعلى الجملة لا تأثيم في محل الاجتهاد ومن خالف الدليل القطعي فهو آثم .
وهذه المفسدات تسع :
الأول : العلة المخصومة باطلة عند من لا يرى تخصيص العلة ، صحيحة عند من يبقى ظنه مع التخصيص .
الثاني : علة مخصصة لعموم القرآن هي صحيحة عندنا فاسدة عند من رأى تقديم العموم على القياس
الثالث : علة عارضتها علة تقتضي نقيض حكمها فاسدة عند من يقول : المصيب واحد ، صحيحة عند من صوب كل مجتهد وهما علامتان لحكمين في حق المجتهدين وفي حق مجتهد واحد في حالتين فإن اجتمعا في حالة واحدة فقد نقول : إنه يوجب التخيير كما سيأتي .
الرابع : أن لا يدل على صحتها إلا الطرد والعكس وقد يقال : ما يدل عليه مجرد الاطراد فهو أيضا في محل الاجتهاد .
الخامس : أن يتضمن زيادة على النص كما في مسألة الرقبة الكافرة .
السادس : القياس في الكفارات والحدود وقد ذكرنا في هذا ما يظن أنه يرفع الخلاف .
السابع : ذهب قوم إلى أنه لا يجوز انتزاع العلة من خبر الواحد بل ينبغي أن تؤخذ من أصل مقطوع به ، وهذا فاسد ولا يبعد من أن يكون فساده مقطوعا به .
الثامن : علة تخالف مذهب الصحابة وهي فاسدة عند من يوجب اتباع الصحابة وإن كان المنع من تقليد الصحابي مسألة اجتهادية فهذا مجتهد فيه ولا يبعد أن يقول : بطلان ذلك المذهب مقطوع به .
التاسع : أن يكون وجود العلة في الفرع مظنونا
[ ص: 342 ] مقطوعا به وقد ذكرنا فيه خلافا ، والله أعلم .
هذه هي المفسدات ، ووراء هذا اعتراضات مثل المنع وفساد الوضع وعدم التأثير والكسر والفرق والقول بالموجب والتعدية والتركيب ، وما يتعلق فيه تصويب نظر المجتهدين قد انطوى تحت ما ذكرناه وما لم يندرج تحت ما ذكرناه فهو نظر جدلي يتبع شريعة الجدل التي وضعها الجدليون باصطلاحهم ، فإن لم يتعلق بها فائدة دينية فينبغي أن تشح على الأوقات أن تضيعها بها ، وتفصيلها وإن تعلق بها فائدة من ضم نشر الكلام ورد كلام المناظرين إلى مجرى الخصام كي لا يذهب كل واحد عرضا وطولا في كلامه منحرفا عن مقصد نظره ، فهي ليست فائدة من جنس أصول الفقه بل هي من علم الجدل فينبغي أن تفرد بالنظر ولا تمزج بالأصول التي يقصد بها تذليل طرق الاجتهاد للمجتهدين .
وهذا آخر القطب الثالث المشتمل على طرق استثمار الأحكام إما من صيغة اللفظ وموضوعه أو إشارته ومقتضاه ومعقوله ومعناه ، فقد استوفيناه والله أعلم .